منتدى متوسطة الشهيد بوربيعة الحملاوي التعليمية
نشأة الذرية معجزة علمية 701769

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

احبتنا زوار الموقع الكرام نود اعلامكم جميعا بان المنتدى مفتوحاً للجميع
لذلك فلا تبخلوا علينا بزيارتكم والتصفح ولو بالقراءة والدعاء

لا نريد ان نجبركم على التسجيل للتصفح نريدكم فقط ان استفدتم شيئاً من الموقع بان تدعو من قلبك لصاحب الموضوع والعاملين بالموقع

ودمتم بحفظ الله ورعايته
"خير الناس أنفعهم للناس"

نشأة الذرية معجزة علمية 701769
منتدى متوسطة الشهيد بوربيعة الحملاوي التعليمية
نشأة الذرية معجزة علمية 701769

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

احبتنا زوار الموقع الكرام نود اعلامكم جميعا بان المنتدى مفتوحاً للجميع
لذلك فلا تبخلوا علينا بزيارتكم والتصفح ولو بالقراءة والدعاء

لا نريد ان نجبركم على التسجيل للتصفح نريدكم فقط ان استفدتم شيئاً من الموقع بان تدعو من قلبك لصاحب الموضوع والعاملين بالموقع

ودمتم بحفظ الله ورعايته
"خير الناس أنفعهم للناس"

نشأة الذرية معجزة علمية 701769
منتدى متوسطة الشهيد بوربيعة الحملاوي التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى متوسطة الشهيد بوربيعة الحملاوي التعليمية


 
تعليمية تربويةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولاستمع لاذاعة الجزائر
:لتحميل جريدة الشروق .......  .اظغط هنااااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 3163375  لتحميل جريدة الخبر :  :...... .اظغط هنااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615 نشأة الذرية معجزة علمية 3163373  لتحميل جريدة النهار الجزائرية :...... .اظغط هناااااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615 نشأة الذرية معجزة علمية 3163378 لتحميل جريدة الفجر الجزائرية :...... .اظغط هناااااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615 نشأة الذرية معجزة علمية 3163372 لتحميل جريدة صوت الأحرار :..... .ظغط هنااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615 لتحميل جريدة الشعب الجزائرية :..... .اظغط هناااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615  لتحميل جريدة المساء الجزائرية :....... .اظغط هناااااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615  لتحميل جريدة النصر الجزائرية :..... ..اظغط هنااااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615  لتحميل جريدة البلاد الجزائرية :..... اظغط .هناااااااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615 لتحميل جريدة أخر ساعة الجزائرية :...... .اظغط هناااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615 لتحميل جريدة الهداف الجزائرية :........ اظغط .هناااااااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615   لتحميل جريدة الشباك الجزائرية : ........ اظغط هناااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615  لتحميل جريدة الأيــــــام الجزائرية : ....... اظغط ..هناااااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615  لتحميل جريدة الجمهورية الجزائرية :........ .اظغط هنااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615 لتحميل جريدة اليوم الجزائرية :...... اظغط هنااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615 لتحميل جريدة الأمة العربية : ..... اظغط هنااااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615  لتحميل جريدة البصائر الجزائرية :....... حمل من هنااااااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615 
نشأة الذرية معجزة علمية 384615  لزيارة موقع مديرية التربية لولاية المدية اظغط هنا : اظغط هنااااااااااااااا    نشأة الذرية معجزة علمية 384615 لزيارة موقع الديوان الوطني للامتحانات و المسابقات : اظغط هنااااااااااااااااااااااا  نشأة الذرية معجزة علمية 384615    لزيارة موقع المديرية العامة للوظيفة العمومية : اظغط هناااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615  . لمعرفة رصيد حسابك ccp . اظغط هنااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615  لزيارة موقع الهيئات الرسمية كل الوزارات الجزائرية : اظغط هناااااااااااااااا نشأة الذرية معجزة علمية 384615  لزيارة الديوان الوطني للتعليم و التكوين عن البعد :  اظغط هناااااااااااااااا 

 

 نشأة الذرية معجزة علمية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فؤاد نور الاسلام
كبارالشخصيات

كبارالشخصيات
فؤاد نور الاسلام


ذكر
الدولة : الجزائر
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
مبرمج
الجزائر
التقيم : 48
عدد المساهمات : 3242
نقاط : 363300426
تاريخ التسجيل : 15/10/2012

نشأة الذرية معجزة علمية Empty
مُساهمةموضوع: نشأة الذرية معجزة علمية   نشأة الذرية معجزة علمية I_icon_minitime30.11.12 19:19

نشأة الذرية معجزة علمية
العرض الموجز

في قوله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾ الطارق 5-10؛ الماء الدافق تعبير وصفي للمني لأنه سائل تركيبه يماثل قطيرات الماء إلا أنه حي تتدفق تكويناته وتتحرك بنشاط ويصدق عليها الوصف بصيغة اسم الفاعل (دافق) لدلالته على الحركة الذاتية, وجميع الأوصاف عدا وصف الماء بالدافق تتعلق بالإنسان لأن بدء خلقه هو محور الحديث والموضوع الرئيس وهو المستدل به علىإمكان الإرجاع حياً, وضمير (له) في قوله تعالى ﴿فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾ لا يستقيم عوده إلى الماء وإنما إلى الإنسان, وضمير (رجعه) في قوله تعالى ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾الأظهر عوده إلى الإنسان والإرجاع هو إعادة الخلق للحساب بقرينة وقت الإرجاع ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾, ولا توجد ضرورة لتشتيت مرجع الضمائر في ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾ و﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ﴾ و(رجعه) في ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾و﴿فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾ ولذا الأولى عود ضمير (يخرج) في ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾إلى الإنسان كذلك مثلها, خاصة أن المني لا يخرج بذاته كذلك وإنما من الخصية, والوصف بالإخراج آية مستقلة كبيان متصل بأصل الحديث عن الإنسان, وبيان القدرة المبدعة وسبق التقدير وإمكان الإعادة أظهر في إخراج الذرية من ظهور الأسلاف, والتلازم قائم بين (إخراج) الإنسان للدنيا وليداً و(إرجاعه) حياً بينما لا تلازم بين (إخراج) المني و(إرجاع) الإنسان, وخروج ذرية الإنسان من الظهر مُبَيَّنفي قوله:﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ﴾ الأعراف 172,, وقوله: ﴿أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَلابِكُمْ﴾ النساء 23, ولم يرد في القرآن فعل (الإخراج) متعلقا بالمني بينما ورد كثيرا متعلقا بالإنسان لبيان خروجه للدنيا وليداً وخروجه حياً للحساب, وللوجدان أن يقشعر من تلك الدقة المتناهية التي ميزت بين موضع تكون أعضاء إنتاج الذرية في الظهر وموضع خروجها على طريقهجرتها!.

نشأة الذرية معجزة علمية H1.jpg.jpg قطاع عرضي يبين نشأة الغدة التناسلية في المنطقة الظهرية للجنين (الأسبوع 56) وهجرة أصولها الخلوية بين بدايات العمود الفقري والضلوع قبل انفصالها وتميزها.
والحقيقة العلمية هي أن الأصول الخلوية للخصية في الذكر أو المبيض في الأنثى تجتمع في ظهر الأبوين خلال نشأتهما الجنينية ثمتخرج من الظهر من منطقة بين بدايات العمود الفقري وبدايات الضلوع ليهاجر المبيض إلى الحوض بجانب الرحم وتهاجر الخصية إلى كيس الصفن حيث الحرارة أقل وإلا فشلت في إنتاج الحيوانات المنوية وتصبح معرضة للتحول إلى ورم سرطاني إذا لم تُكمل رحلتها, والتعبير ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ يفي بوصف تاريخ نشأة الذرية ويستوعب كافة الأحداث الدالة على سبق التقدير والاقتدار والإتقان والإحكام في الخلق منذ تكوين البدايات في الأصلاب وهجرتها خلف أحشاء البطن ابتداءً من المنطقة بين الصلب والترائب إلى المستقر, وحتى يولد الأبوان ويبلغان ويتزاوجان وتخلق الذرية مما يماثل نطفة ماء في التركيب عديمة البشرية من المني لكنها حية تتدفق ذاتياً لتندمج مع نطفة نظير فتتكون النطفة الأمشاج من الجنسين, ويستمر فعل الإخراجساري المفعول ليحكي قصة جيل آخر لجنين يتخلق ليخرج للدنيا وليداً وينمو فيغفل عن قدرة مبدعه, وكل هذا الإتقان المتجدد في الخلق ليشمل تاريخ كل إنسان قد عبر عنه العليم الحكيم بلفظة واحدة تستوعب دلالاتها كل الأحداث: ﴿يَخْرُجُ﴾, فأي اقتدار وتمكن في الخلق والتعبير!, ومعكلتلك المشاهد المتجددة والتقديرات المبدعة والقدرة المفزعة هل يرد مجرد هاجس على الخاطر: أنبعثُ حقاً ونُحَاسَب!.

وهكذا يتصل العرض وينقلك في ومضة من مشاهد بدايات مقدرة تسبق وجود الإنسان إلى حيث يقف عاجزا معرَُى السريرة ليواجه مصيره وحده بلا أعوان فيتجلى بتلك النقلة الكبيرة الفارق في أحواله, وسرعة النقلة تؤكد التقدير وسبق التهيئة وتجلي قدرة الله تعالى وحكيم تدبيره مؤيدةً ]إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ[,قال الكلبي: "الضمير في إنه لله تعالى وفي رجعه للإنسان", وقال المراغي: ]فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ [أي فلينظر بعقله وليتدبر في مبدأ خلقه ليتضح له قدرة واهبه وأنه.. على إعادته أقدر.. ]خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ[.. حقائق علمية تأخر العلم بها والكشف عن معرفتها وإثباتها ثلاثة عشر قرنا, بيان هذا أن صلب الإنسان هو عموده الفقري (سلسلة ظهره) وترائبه هي عظام صدره.. وإذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشأ خصية الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب.. فكل من الخصية والمبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلى ويقع بين الصلب والترائب أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريبا ومقابل أسفل الضلوع.. فإذا كانت الخصية والمبيض في نشأتهما وفي إمدادهما بالدم الشرياني وفي ضبط شئونهما بالأعصاب قد اعتمدتا في ذلك كله على مكان في الجسم يقع بين الصلب والترائب فقد استبان صدق ما نطق به القرآن الكريم وجاء به رب العالمين ولم يكشفه العلم إلا حديثا بعد ثلاثة عشر قرنا من نزول ذلك الكتاب, هذا وكل من الخصية والمبيض بعد كمال نموه يأخذ في الهبوط إلى مكانه المعروف فتهبط الخصية حتى تأخذ مكانها في الصفن ويهبط المبيض حتى يأخذ مكانه في الحوض بجوار بوق الرحم, وقد يحدث في بعض الأحيان ألا تتم عملية الهبوط هذه فتقف الخصية في طريقها ولا تنزل إلى الصفن فتحتاج إلى عملية جراحية.. وإذا هدي الفكر إلى كل هذا في مبدأ خلق الإنسان سهل أن نصدق بما جاء به الشرع وهوالبعثفي اليوم الآخر.. ]إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ [أي إن الذي قدر على خلق الإنسان ابتداء.. قـادر أن يرده حيا بعد أن يموت".

واقتدار الخالق شاخص في كل العرض بينما يتملى الخيال مشاهد أعرضت عن الإنسان فعبرت عنه بالغائب في ومضات تُعَرِّيه من الخيلاء وتفاجئه بأصله ومصيره طاويةً حياته ومماته وكأنه لم يكن, في مقابل مشهد استكباره في تبجحصارخ يعلنه الاحتجاج المستهل بحرف (الفاء) ليفصح بأصل دلالته على التعقيب عن محذوف يكشف ما يجول في طوية نفسه: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُمِمّ خُلِقَ﴾, كأنه صيحة مدوية مؤنبة تقول: ألم تحدثك نفسك؟, وليس للإنسان في تلك المحاكمة إلا حضورا باهتا داخل قفص الاتهام في زاوية من المخيلة بينما تشخص عياناً أدلة التجريم؛ وكأنه تعالى يقول: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىَ﴾ القيامة 40, وهذا المشهد الأصغر لتعري السرائر مثال لمشهد يوم عظيم ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾, فتأمل الاتساق في عرض المشاهد, تصوير عجيب يكشف ما قبل فتح الستار وحتى بعد ضمه تبقى في الخاطر شتى صور العقاب وتأز في المسامع نيران تتشوق لمن يشك لحظة في قدرة الخالق سبحانه!, أسلوب مذهل جامعفريدلا يبلغه اليوم أي كتاب ينسب للوحي؛ قد بلغ الذروة في التصوير وثراء المعني مع الغاية في إيجاز اللفظ, وأماالتفاصيل العلمية التي يستحيل أن يدركها بشر زمن التنزيل فهي بعض دلائل النبوة الخاتمة التي تسطع اليوم أمام النابهين.

العرض التفصيلي

في مشاهدٍ بلغت أسمى درجات الإحكام في البيان يكشف القرآن جملةً من أسرار نشأة الإنسان, ويأخذه في رحلةٍ طويلةٍ تتعدد فيها مشاهدُ ماضيهِ لتبلغ به نشأة أجيال تسبقه يتنقل مُقَدَّرًاً في عالمٍ لا تدركه عين سموه "عالم الذر", وقبل أن يصبح إنساناً ذي فكرٍ لم يوظفه لمعرفة خالقه بل طغى غافلاً عن قدرة الله على البعث والحساب كان كائناً أشبه ما يكون بقطيرة ماء؛ نطفه لا ترىإلا أنها حية تسعى دافقة تتحرك ذاتيا بتوجيه وتجسد مقدار النقلة الهائلة!, وفي تحدٍّ صارخ قبل أن ينشأ علم الأجنة بقرون ويتحقق البشر بيقين يجاهر القرآن ويكشف العلم بمنشأ أعضاء إنتاج الذرية مع نشأة أعضاء البدن قبل أن تتحول عن موضعها وتستقر, يقول العلي القدير: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَالسّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾ الطارق 5-10, نقلات ضخمة في تاريخ نشأة الإنسان حيرت أعلام المفسرين للقرآن الكريمفتألقوا في بيان المغزى وقبل أن تكشف العلوم التجريبية الكيفيات برعوا في تصورها حتى كادوا يصيبوا بضربات المعاول عين النبع, فلما أضاءت الكشوف الساحة تآزرت المعاول وفاض النهر, والمعلوم أن المني يُقذف مدفوقاً في دفعات, لكن السر المبهر بوصفه فاعلاً يوافق تدافع الحوينات المنوية تحت المجهر مفطورةً على التسابق, وأما موضع خروج أعضاء إنتاج الذرية من بين الصلب والترائب لتنفصل وتتميز فقد أيده بيان نشأتها في الظهر أو منشأ العمود الفقري, يقول تعالى: ﴿وَحَلَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَلابِكُمْ﴾ النساء 23, وفي بيان فطرية الإيمان وأصل نشأة الإنسان يقول تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ﴾ الأعراف 172, وذلك هو ما يقرره اليوم علم الأجنة من أن أعضاء إنتاج الذرية تجتمع أصولها بالفعل في الظهر ثم تخرج وتنفصل وتتميز بين أصول العمود الفقري والضلوع بجوار الكلية, وفي البالغ تظل الأوعية الدموية واللمفاوية والأعصاب ممتدة إلى منطقة الكلية حيث تنشأ الخصية أو المبيض, والسؤال أمام كل تقدير: لأي غرض؟ العالمون يجيبون: الرحم في الحوض ولا تنتج الخصية إلا في كيس الصفن حيث الحرارة أقل, ولك أن تدهش؛ من أدراهما؛ أهي حنكة الثوب المحبوك بمهارة أم الحائك!, ومع كل تلك المشاهد المتجددة والتقديرات المبدعة والقدرة المفزعة هل يرد مجرد هاجس على الخاطر: أنبعثُ حقاًونُحَاسَب!
نشأة الذرية معجزة علمية H2
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
نشأة الذرية معجزة علمية H3.jpg
تميز الغدة التناسلية إلى خصية في الذكر ومبيض في الأنثى
مع نشأة الأعضاء التناسلية الداخلية من قناتي وولف ومولر.
وتحتوي كل فتيلة وراثية على عدد هائل من الوحدات الوراثية تسمى جينات Genes, ويحتوي كل منها على توجيهات وراثية نحو صفات محددة كلون الشعر أو طول الجسم, والجين المسئول عن تحديد الذكورة سائد Dominantويقبع على طرف الذراع القصير للفتيلة الجنسية المميزة للذكر (Y),وتسمى بمنطقة تحديد الجنس (SRY)Sex Determining Region of Y Chromosome , ومهمته تحويل الغدة التناسلية في كل جانب إلى خصية تنتج هورمون الذكورة Testosteroneوهورمون مثبط لقناة مولر Anti-Mullerian Hormone (AMH),ويُعتقد حاليا بوجود جينات مساندة في الإنسان على نفس ذراع الفتيلة الجنسية (Y),ومهمة هورمون الذكورة تشكيل الأعضاء التناسلية الذكرية الداخلية, بالإضافة إلى منع تطور الأثداء فتبقى ضامرة في الذكور كشاهد على مرحلة النفس الواحدة, ونتيجة لنشاط إنزيم خاص ينشأ هورمون أكثر فعالية اسمه داي هيدرو تستوستيرون Dihydrotestosterone (DHT)من هورمون الذكورة مهمته تشكيل الأعضاء التناسلية الخارجية في الذكور, وفي الثدييات إذا لم تنشأ الخصية يحدث العكس وتتكون الأعضاء التناسلية الأنثوية تلقائيا Default Pathwayوتضمر قناة وولف, وينتج المبيض هورمون الأنوثة Estrogenومهمته تكميل تطور قناة مولر والخصائص الأنثوية الثانوية كنضوج الثدي عند البلوغ.
نشأة الذرية معجزة علمية H4.jpg

مراحل تكون الغدد التناسلية وتميزها
(5) تكون الغدد التناسلية Gonadogenesis:

الخصية Testisهي عضو إنتاج الذرية في الذكر وفي الأنثى المبيض Ovary, ومهمتهما هي إنتاج الهورمونات الجنسية وخلايا الإنجاب Gametesالتي يختزل في كل منها عدد الفتائل الوراثية خلال الانقسام الاختزالي Meiosisإلىالنصف,وينشآن مع الكلية والغدة الجار-كلوية خلال الحياة الجنينية في فترة تكون الأعضاء مما يسمى الحدبة البولية-التناسلية Uro-genital Ridgeوهي بروز في تجويف البطن يمتد من الظهر ويتكون من ثلاثة مناطق؛ في الأمامية تنشأ الغدة الجار-كلوية, وفي الخلفية تنشأ الكلية, وفي الوسطى تنشأ الغدة التناسلية Gonadولذا تسمى الحدبة التناسلية Genital Ridge, ويبدأ ظهور الغدة التناسلية في الأسبوع الخامس من عمر الجنين ويبدأ تمايزها إلى خصية أو مبيض وتفرز الهورمونات الجنسية في الأسبوع السابع, وتستمد الأصول الخلوية للغدة التناسلية في كل جانب من مصدريين أساسيين: (أولاً) الخلايا التناسلية الأولية Primordial Germ Cellsوتنشأ في جدار كيس المح Yolk Sacقرب الطرف الخلفي للجنين ثم تهاجر خلال المنطقة الظهرية نحو الحدبة التناسلية وهي التي تتطور لاحقا إلى خلايا منتجة لخلايا الإنجاب, (ثانياً) بقية العناصر وتستمد من الطبقة الجنينية الوسطى Mesoderm, وتجتمع الأصول الخلوية في الظهر في الحدبة التناسلية لتخرج وتنفصل في كل جانب مع الغدة التناسلية بين موضع بداية تكون العمود الفقري وبداية تكون الضلوع ثم يتميز الجنس وتهاجر الخصية نحو كيس الصفن Scrotumوالمبيض نحو بوق قناة الرحم Fallopian Tube, ولذا تظل الأوعية الدموية واللمفاوية والأعصاب سواء للخصية أو المبيض في الشخص البالغ مرتبطة بالمنشأ في منطقة الكلية.

نشأة الذرية معجزة علمية H5.jpg.jpg
نشأة الذرية معجزة علمية  هبوط الخصية Testicular Descent في الأسبوع الثاني عشر من الحمل لتبلغ القناة الإربية Inguinal Canalفي منتصف الحمل وفي آخر شهرين تبلغ الخصية كيس الصفن, والعوامل الدافعة لتلك الهجرة المبرمجة Programmed Migrationلم تتضح كاملاً بعد, وتجري حاليا محاولات لتحديد الجينات الموجهة لسير الهجرة في مسار سابق التقديرPredestinated pathway, وأي تعطل لآليات تلك الخطة المدبرة الخطوات لهجرة الخلايا وتكاثرها قد يؤدي إلى العقم, وإذا تعطلت الخصية عن بلوغ كيس الصفنحيث الحرارة أقل لن تستطيع إنتاج خلايا تناسلية ويمكن أن تتحول إلى خلايا سرطانية وينبغي إزالتها جراحيا(2),(3)،(4)
نشأة الذرية معجزة علمية H6.jpg
الدراسة الدلالية

أمام عجيبة بيانية بهرت الأساطين بسمو أغراضها وصدق دلالتها وفصاحة تركيبها وإحكام نظمها وحسن إيقاعها لا يملك من يعاين مشاهدها سوى العجب, وبديهي أن يَحار الفطاحل في دلالاتها العلمية حتى يُعاينوا كيفياتها, ومع ذلك فصَّل القرآن ما أجمل فيَسَّر إدراكها, تأمل قول العلي القدير: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾ الطارق 5-10, تركيب عجيب فريد كأنه "سمط اللآليء"؛ مشرق مثل حبات عقد الجواهر النفيس, دعنا إذاً نتأمله عن قرب مستأنسين بجهود أجيال مختلفي المشارب, ونعمل بالقواعد مع الحقائق في تمييز المختلط وتحرير الدلالة, والقاعدة لتحقيق الغاية في الفهم يوجزها لك فقهاء البيان العالمون بأساليب القرآن وتميز تركيبه بكلمة واحدة هي: السياق, فينبغي الانتباه لأن الصورة ليست كظاهر اللفظ, والألفاظ كالأمثال مستمدة من بيئة التنزيل لكنها مميزة الدلالة تخصصها قرائن السياق, وكل التركيب بمفرداته وأساليبه وإيقاعه متآزر متساوق متناسق الوجهة بلا اختلاف؛ في سياق موحد الاتجاه لا يناقض الحقائق, والحقيقة العلمية إذا استوثقت أنها كذلك وبلغت اليقين فهي شهادة الواقع ومفتاح الحل أو الترجيح لأن كلام الخالق لا يعارض فعله.

(أولاً) لماذا خرج القرآن عن المعهود ووصف المني بالماء الدافق بدلا عن المدفوق؟:

وصفَ القرآن الماء المعبر عن المني بالدافق مما يعني أنه حي التكوين فاعل تتسابق مكوناته في نشاط, وجرده من صفة البشرية بجعله مادة أولية يتخلق منها الإنسان, وهذا ما يطابق الحقيقة العلمية لأن الخلية البشرية الأولى التي تحتوي على العدد الكامل من الفتائل الوراثية المستمدة من الأبوين هي "البويضة الملقحة" في المصطلح الطبي الحديث أو "النطفة الأمشاج" في مصطلح القرآن, ولكن تلك الحقيقة العلمية كانت خفية طيلة قرون عديدة بعد نزول القرآن مما جعل المفسرين في حيرة أمام وصف المني ذاته بالفاعل, قال ابن تيمية: "لفظ الماء عند الإطلاق لا يتناول المني وإن كان يسمى ماء مع التقييد كقوله تعالى ﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ﴾"(5), وقال ابن كثير: (خلق من ماء دافق) يعني المني(6), وقال النيسابوري: "يحتمل أن يقال: أريد به ماء الرجل فقط؛ إما بناء على حكم التغليب وإما بناء على مذهب من لا يرى للمرأة ماء (أصلا) ولا سيما دافقا(7), وقال الثعالبي: و﴿دَافِقٍ﴾ قال كثير من المفسرين هو بمعنى مدفوق(8), وقال النسفي: "والدفق صب فيه دفع والدفق في الحقيقة لصاحبه والإسناد إلى الماء مجاز"(9), وقال ابن القيم: "أخبر سبحانه أنه خلقه من ماء دافق, والدفق صب الماء يقال دفقت الماء فهو مدفوق ودافق.. فالمدفوق الذي وقع عليه فعلك.. والدافق قيل إنه فاعل بمعنى مفعول.., وقيل.. أي ذي دفق.., وقيل وهو الصواب انه اسم فاعل"(10), وقال أيضاً: "الدافق على بابه ليس فاعلا بمعنى مفعول كما يظنه بعضهم"(11), وقال الشوكاني: "﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ﴾.. الماء هو المنى, والدفق الصب يقال دفقت الماء أي صببته, يقال ماء دافق أي مدفوق مثل عيشة راضية أي مرضية, قال الفراء والأخفش ماء دافق أي مصبوب في الرحم, قال الفراء وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم, كقولهم سر كاتم أي مكتوم وهم ناصب أي منصوب وليل نائم ونحو ذلك, وقال الزجاج من ماء ذي اندفاق(12),وقال القرطبي: ﴿مِن مّآءٍ دَافِقٍ﴾ أي من المني, والدفق صب الماء, دفقت الماء أدفقه دفقا صببته فهو ماء دافق.. ﴿قال﴾ الزجاج من ماء ذي إندفاق.. وهذا مذهب سيبويه فالدافق هو المندفق بشدة قوته(13), وقوله تعالى ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ﴾ القيامة 37؛ أي من قطرة ماء تمنى في الرحم أي تراق فيه ولذلك سميت مِنَى (مبيت الحجيج بمكة) لإراقة الدماء.., والنطفة الماء القليل يقال نطف الماء إذا قطر(14), وقال أبو السعود: "وقوله تعالى ﴿مّآءٍ دَافِقٍ﴾.. ذي دفق وهو صَبٌ فيه دفع وسيلان بسرعة.. (و) قالوا أن النطفة.. مقرها عروق ملتف بعضها بالبعض عند البيضتين"(15), وقال ابن الجوزي: "قال الزجاج ومذهب سيبويه وأصحابه أن معناه النسب إلى الإندفاق, أي صفة تكوينه الإندفاق, والمعنى من ماء ذي اندفاق"(16), وفي تفسير الجلالين: "ذي اندفاق"(17), وقال الألوسي: "الدفق صب فيه دفع وسيلان بسرعة وأريد بالماء الدافق المني, ودافق قيل بمعنى مدفوق على تأويل اسم الفاعل بالمفعول.. وقال الخليل وسيبويه هو على النسب.. أي ذي دفق, وهو صادق على الفاعل والمفعول, وقيل هو اسم فاعل وإسناده إلى الماء مجاز, وأسند إليه ما لصاحبه مبالغة, أو هو استعارة.. كما ذهب إليه السكاكي.. بجعله دافقا لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق أي يدفع بعضه بعضا, وقد فسر ابن عطية الدفق بالدفع فقال الدفق دفع الماء بعضه ببعض يقال تدفق الوادي والسيل إذا جاء يركب بعضه بعضا, ويصح أن يكون الماء دافقا لأن بعضه يدفع بعضاً, فمنه دافق ومنه مدفوق"(18), وقال ابن عاشور: "معنى (دافق) خارج بقوة وسرعة والأشهر أنه يقال على نطف الرجل, وصيغة دافق اسم فاعل.. وهو قول فريق من اللغويين, وقال الجمهور.. دافقا بمعنى اسم المفعول.. وسيبويه جعله من صيغ النسب.. ففسر دافق بذي دفق, والأحسن أن يكون اسم فاعل.., وأطنب العجاج في وصف هذا الماء الدافق لإدماج التعليم والعبرة بدقائق التكوين ليستيقظ الجاهل الكافر ويزداد المؤمن علما ويقينا"(19), ها أنت ترى كم كانت حيرة المفسرين أمام هذا السر الدفين وهو الحركة الذاتية لعناصر حية في المني ومع ذلك بلغوه بترك تعبير القرآن (ماء دافق) على ظاهره حتى كشفت الأيام تأويله.

(ثانياً) ما هو الصلب وما هي الترائب؟:

لفظ ﴿التّرَآئِبِ﴾ اسم صفة لا اسم ذات يدل بأصل اشتقاقه على التماثل والتناظر فيصدق على الأضلاعالتي تكون عظام الصدر, وقد يصرفه السياق إلى بعض هذا الإطلاق كما نقلت معاجم اللغة, والدلالات المعجمية مقيدة بقرائن السياق التي تحددها وتتخير منها الأنسب للمقام, ومن اشتقاق اللفظ (أتراب) أي لِدَّات يعني متماثلات, وقد يجعل السياق التماثل في الحسن والجمال والبهاء وفيض الأنوثة ونضارة الشباب كما في تصوير حال زوجات الجنة في قوله تعالى: ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ أَتْرَابٌ﴾ ص 52, وقوله تعالى:﴿إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَآءً. فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً. عُرُباً أَتْرَاباً﴾ الواقعة 35-37, وقوله تعالى: ﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً﴾ النبأ 33, قال الجوهري: "والتَرِب بالكسر اللدَّة وجمعه أتراب, والتريبة واحدة الترائب وهي عظام الصدر"(20), ولفظ ﴿الصّلْبِ﴾ بالمثل اسم صفة لا اسم ذات يدل بأصل اشتقاقه على قائم أمتن كتلةً وأمكن يُصلب عليه الشيء ويُشد محمولاً عليه فيصدق على العمود الفقري الذي يحمل بدن الإنسان وعلى المنطقة الظهرية حيث ينشأ, وفي قوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾؛ يتعلق السياق ببداية انفصال وتميز عضو إنتاج الذرية وتكونه خلال فترة تكون بقية أعضاء الجسم, والمقابلة بين لفظي (الصلب والترائب) تميز دلالة كل منهما لتتعين منطقة تقع بين موضعي نشأة العمود الفقري والأضلاع حيث تتميز الغدة التناسلية بالفعل وتمتد في الجهة الظهرية بجوار الكلية في كل جانب, وكأن القرآن يصف قطاع عرضي تحت المجهر تتميز فيه مناطق الأعضاء الثلاث بوضوح, ولفظي ﴿الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ تعبيرانوصفيان والتعريف فيهما يبين أن مسمى كل منهما عضو بدني مألوف أحدهما مفرد والآخر جمع, وفعل (الخروج) الذي يدال على موضع الانفصال على طريق الهجرة في غاية الدقة حيث لا يدل بالضرورة على موضع النشأة لأن الغدة التناسلية تنشأفي الكتلة الظهرية أو الصلب قبل أن تنفصل وتتمايز مع تمايز بقية أعضاء الجسم, والعجيب أن القرآن ينسب بداية تكوين الذرية إلىالظهر أو الصلب بالفعل حيث تجتمع الأصول الخلوية لتكون الغدة التناسلية قبل انفصالها وتمايزها, وذلك عند بيان فطرية الإيمان في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ﴾ الأعراف 172؛ وهذا التصوير يبين تحقق الإيمان لو استخدم الإنسان أدوات العلم والفكر التي تميز بها عن الحيوان, وعند بيان محرمات الزواج مع التمييز بين الأبناء حقيقةً والأبناء بالتبني في قوله تعالى: ﴿وَحَلَلائِلُ أَبْنَائِكُم ُالَّذِينَ مِن ْأَصْلَلابِكُمْ﴾ النساء23, وللوجدان أن يقشعر من تلك الدقة المتناهية التي ميزت بين موضع تكون أعضاء إنتاج الذرية في الظهور وموضع خروجها على طريق هجرتها!.

(ثالثاً) هل الوصف بالإخراج والإرجاع يخص الإنسان أم الماء؟:

يتعلق السياق بالإنسان ذكوراً وإناثاً, وإليه يُوَجَّه الحديث بدلالة الاستهلال: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾, وفيه استدلال بالأصل علي غفلة الناكر للبعث, وذلك لمجيء التعبير بالغيبة إعراضاً مما يفيد أن المراد من جنس الإنسان من كَذَّب حديث القرآن وأنكر قدرة الخالق وتشكك في البعث خاصة؛ بدلالة التذييل ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ والظرف الذي يتم فيه إرجاع الإنسان حياً ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ وهو يوم الحساب, ودل فعل (الخلق) على ضرورة وجود الخالق, واستشهاداً بالنقلة الواسعة على الاقتدار قدمت البينة بالإنسان الشاخص متكامل البناء, وأفادت (مِن) في (مِمَّ) الابتداء وأفادت (ما) إبهام ما عادت إليه بياناً لضآلة الأصل إلى حد الخفاء, والاستدلال بقوله ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ يتوغل أكثر نحو ماضي الإنسان ويدل على مرحلة أسبق ذات ابتداء أدق ولهانفس مزية النقلة الهائلة, وفعل (الإخراج) يفيد الانتقال ويجعل (من) لابتداء انفصال وتميز عضو الإنجاب على طريق الهجرة, ويتعلق السياق إذاً بوصف مرحلة تتكون فيها أعضاء تماثل الصلب والترائب وتختص بالإنجاب وليس مجرد بيان لمصدر الماء, إنها ولا شك بداية أبعد في تاريخ الإنسان تماثل في البعد النقلة الكبيرة من قطرة من سائل كالماء لا بشرية فيه إلى إنسان مفكر, وتلمس في كلام الأعلام – رحمهم الله – أن النقلة الأبعد منذ الابتداء الأول بلوغاً إلى الإنسان لا إلى الماء فحسب أعظم في الاستدلال على البعث لذا قصروا نسبة الابتداء على الإنسان, وتعبير القرطبي: "أول أمره وسنته الأولى"(21), وتعبير ابن الجوزي: "أول حاله"(22), وفي قوله تعالى: ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾؛ الضمير في ﴿إِنّهُ﴾ يعود على فاعل غيرمذكور إعلاماً بأن فعله المتجسد في ذلك الإنسان الشاخص يغني عن الدلالة عليه باسمه أو صفته, تقديره (الله الخالق القادر) بدلالة اسم الفاعل الدال على لزوم الصفة ﴿لَقَادِرٌ﴾ والمؤكد للشاك بأداتين (اللام) و(إن), بالإضافة إلى الفعل المبني للمجهول﴿خُلِقَ﴾ العائد قطعاً إلى ﴿الإِنسَانُ﴾, والمعنى يتعلق إذاً بالخالق والمخلوق أما الماء فمرحلة عابرة, ولذا يقصر السياق عود الضمائر إلى جنس الإنسان في التعابير ﴿مِمّ خُلِقَ﴾ و﴿خُلِقَ﴾ و﴿رَجْعِهِ﴾ و﴿فَمَا لَه﴾ والفعل ﴿يَخْرُجُ﴾ وبذلك يتسع الوصف للذكر والأنثى, وفي كليهما تنشأ بالفعل أعضاء إنتاج الذرية مع الكليتين من بين أصول العمود الفقري والضلوع في الجهتين.

قال ابن عاشور: ضمير ﴿إِنّهُ﴾ عائد إلى الله تعالى وإن لم يسبق ذكر مُعاد ولكن بناء الفعل للمجهول في قوله ﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ﴾يؤذن بأن الخالق معروف لا يحتاج إلى ذكر اسمه وأسند الرجع إلى ضميره.. لأن المقام مقام إيضاح وتصريح بأن الله هو فاعل ذلك, وضمير ﴿رَجْعِهِ﴾ عائد إلى ﴿الإِنسَانُ﴾.. و﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ متعلق برجعه أي يرجعه يوم القيامة, والسرائر جمع سريرة وهي ما يسره الإنسان ويخفيه من نواياه وعقائده.. ولما كان بلو السرائر مؤذنا بأن الله عليم بما يستره الناس من الجرائم وكان قوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ مشعرا بالمؤاخذة.. فرَّع عليه قوله ﴿فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾, فالضمير عائد على الإنسان والمقصود المشركون من الناس لأنهم المسوق لأجلهم هذا التهديد, أي فما للإنسان المشرك من قوة يدفع بها عن نفسه وما له من ناصر يدافع عنه(23).

ودفعاً لتوهم الخروج من صلب الرجل وترائب المرأة في قوله تعالى ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ كما أدى إليه اجتهاد البعضباعتبار نشأة الجنين من نطفة أمشاج خلائط من الجنسين؛ قال الألوسي: "وظاهر الآية أن أحد طرفين البينية (التوسط) الصلب والآخر الترائب.., فكان الصلب والترائب لشخص واحد فلا تغفل.., قال الحسن وروي عن قتادة أيضا أن المعنى يخرج من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائب كل منهما.., (و) الترائب.. الأشهر أنها عظام الصدر.. (و) المني.. مستقره عروق يلتف بعضها بالبعض عند البيضتين وتسمى أوعية المني.., وقوله سبحانه ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ عبارة مختصرة جامعة.. وقيل ابتداء الخروج منه كما أن انتهاءه بالأحليل.., وزعم بعضهم جواز كون الصلب والترائب للرجل أي يخرج من بين صلب كل رجل وترائبه"(24), ومعنى البينية بين شيئين التوسط, قال الأصفهاني: "(بين) ظرف لا يضاف إلا إلى متعدد لفظاً أو معنىً وهو يفيد الخلالة والتوسط"(25), ودفعاً لتوهم الخروج من الصلب والترائب لا من منطقة بينهما وتوهم عدم اختصاص الماء الدافق بالذكر ؛ قال ابن القيم: "سبحانه قال ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ ولم يقل يخرج من الصلب والترائب, فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجا من بين هذين المختلفين, كما قال في اللبن ﴿نّسْقِيكُمْ مّمّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ﴾ النحل 66, وأيضا فإنه سبحانه أخبر أنه خلقه من نطفةفي غير موضع, والنطفة هي ماء الرجل كذلك.., قال الجوهري والنطفة الماء الصافي قل أو كثر والنطفة ماء الرجل والجمع نطف, وأيضا فإن الذي يوصف بالدفق والنضح إنما هو ماء الرجل, ولا يقال نضحت المرأة الماء ولا دفقته, والذي أوجب لأصحاب القول الآخر ذلك أنهم رأوا أهل اللغة قالوا الترائب موضع القلادة من الصدر, قال الزجاج أهل اللغة مجمعون على ذلك وأنشدوا لامرىءالقيس (مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسجنجل), وهذا لا يدل على اختصاص الترائب بالمرأة بل يطلق على الرجل والمرأة"(26), وإذا شملهما الإخراج فلا بد من عودة ضمير ﴿يَخْرُجُ﴾ على الإنسان لا على الماء الدافق المقصور على الرجل وحده.

وقد شغل موضوع عود الضمائر المحققين فحرروه استناداً للسياق بجعلها عائدة إلى المذكور الأبعد ﴿الإِنسَانُ﴾ لامتناع عودها على الأقرب وهو الماء, ومن شواهد عود الضمير إلى المذكور الأبعد في القرآن قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا﴾ الجمعة 11, أي إلى التجارة, وقوله تعالى: ﴿آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمّا جَعَلَكُم مّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ الحديد 7, أي جعلكم الله مستخلفين, قال ابن تيمية: "عود الضمير إلى الأقرب أولى إلا إذا كان هناك دليل يقتضي (عوده إلى)البعيد"(27), وقال الزركشي: "وإن كانت القاعدة عود الضمير إلى الأقرب ولكن قد يعود إلى.. غير الأقرب"(28), وقال السيوطي: " الضمير قد يدل عليه السياق فيضمر ثقةً بفهم السامع نحو ﴿كل من عليها فان﴾ الرحمن 26, (و) ﴿ما ترك على ظهرها من دابة﴾ فاطر 45 أي الأرض أو الدنيا,.. وقد يعود على بعض ما تقدم"(29), وفي قوله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾؛ يتعلق الحديث ببيان الاقتدار على بعث الإنسان الفرد استدلالا بنشأته, فالحديث إذاً كما ترى يتعلق بالإنسان بداية ومصيراً والماء مرحلة عارضة في ثنايا قصة ممتدة الأحداث عبر أجيال, ولذا الأولوية أن تعود إلى الإنسان كل الضمائر بلا تشتيت باعتباره محور الحديث والمذكور الرئيس, قال القرطبي: "قوله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾ أي ابن آدم.. توصية للإنسان بالنظر في أول أمره وسنته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الإعادة والجزاء"(30).

وفي قوله تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾؛ قال الطبري: "يقول تعالى ذكره فلينظر الإنسان المكذب بالبعث بعد الممات المنكر قدرة الله على إحيائه بعد مماته, ﴿مِمّ خُلِقَ﴾ يقول من أي شيء خلقه ربه"(31), وقال البغوي: أي فليتفكر من أي شيء خلقه ربه أي فلينظر نظر المتفكر"(32), وقال ابن القيم: "لقد دعا سبحانه الإنسان إلى النظر في مبدأ خلقه.. فقال تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾, وقال ﴿يَأَيّهَا النّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْنَاكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمّ مِن مّضْغَةٍ مّخَلّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلّقَةٍ لّنُبَيّنَ لَكُمْ وَنُقِرّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ثُمّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمّ لِتَبْلُغُوَاْ أَشُدّكُمْ وَمِنكُمْ مّن يُتَوَفّىَ وَمِنكُمْ مّن يُرَدّ إِلَىَ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾ الحج 5, وقال ﴿وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ. وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ الذاريات 20و21, وهذا في القرآن كثير لمن تدبره وعقله وهو شاهد منك عليك فمن أين للطبيعة.. هذا الخلق والإتقان والإبداع"(33), وقال أيضاً: "نبه سبحانه الإنسان على دليل المعاد بما يشاهده من حال مبدئه على طريقة القرآن في الاستدلال على المعاد بالمبدأ فقال ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾, أي فلينظر نظر الفكر والاستدلال ليعلم أن الذي ابتدأ أول خلقه.. قادر على إعادته"(34).

وقال ابن كثير: "قوله تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾ تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خلق منه وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد لأن من قدر على البداءة فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى كما قال تعالى ﴿وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ الروم 27(35), وقال أيضاً: "قال تعالى مقررا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذين أنكروا كونه واستبعدوا وجوده مستدلا عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها وهم معترفون بها فقال تعالى ﴿إِنّا خَلَقْنَاهُم مّمّا يَعْلَمُونَ﴾ المعارج 39, أي من المني الضعيف كما قال تعالى ﴿أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ مّهِينٍ﴾ المرسلات 20, وقال ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾.. وتقدير الكلام ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب ولا بعث ولا نشور بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة.., ولهذا قال تعالى ﴿لَخَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلَـَكِنّ أَكْـثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ غافر 57, وقال تعالى ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنّ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِـيَ الْمَوْتَىَ﴾ الأحقاف 33, وقال تعالى.. ﴿أَوَلَـيْسَ الَذِي خَلَقَ السّمَاواتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىَ وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ. إِنّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ يس 81و82, وقال.. ﴿فَلاَأُقْسِمُ بِرَبّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنّا لَقَادِرُونَ. عَلَىَ أَن نّبَدّلَ خَيْراً مّنْهُمْ﴾ المعارج 40و41, أي يوم القيامة نعيدهم"(36).

وقال الشوكاني: "قوله ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾.. يوجب على الإنسان أن يتفكر في مبتدأ خلقه ليعلم قدره الله على ما هو دون ذلك من البعث, قال مقاتل يعني المكذب بالبعث, ﴿مِمّ خُلِقَ﴾ من أي شيء خلقه الله, والمعنى فلينظر نظر التفكر والاستدلال حتى يعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته"(37), وقال الثعالبي: "قوله تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾ توقيف لمنكري البعث على أصل الخلقة الدال على أن البعث جائز ممكن ثم بادر اللفظ إلى الجواب اقتضاباً وإسراعاً إلى إقامة الحجة فقال ﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾"(38), فكما ترى يتعلق الحديث بالإنسان, والخلق من ماء والإخراج من بين الصلب والترائب بدايتان؛ آيتان منفصلتان, حجتان, وحملهما على سعة النقلة بياناً لقدرة الله تعالى أولى لأن المقام يتضمن وجوب الامتنان لسعة الفضل والإنعام, ولم يوصف المني في القرآن كثمرة يتجلى بها الاقتدار بل وُصف بالقلة والمهانة, وعود الضمير في (يخرج) على الماء سيجعل الوصف تشريحياً في البالغ وسيناقض الواقع لأن المني يخرج فعلياً من الخصية وليس من بين العمود الفقري والضلوع, والتعبير بالخروج لا يجمعه مع خبر الخلق من ماء اتصال في آية واحدة ليتعلق به وإنما ورد مستقلاً عنه متصلاً بأصل الحديث عن الإنسان, وحينئذ يتسع بيان سبق التقدير ليشمل سلسلة الأجيال, وبهذا تكون النقلة أكبر والمفارقة أعظم وبيان سبق التقدير أتم والدلالة على قدرة الله أظهر.

وفي قوله تعالى ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر﴾؛ قال الطبري: "يقول تعالى ذكره إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق فجعلكم بشرا سويا.. ﴿عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾, واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله ﴿عَلَىَ رَجْعِهِ﴾ على ما هي عائدة؟, فقال بعضهم هي عائدة على الماء, وقالوا معنى الكلام إن الله على رد النطفة في الموضع التي خرجت منه لقادر.., عن عكرمة.. قال إنه على رده في صلبه لقادر.., (و) عن عكرمة.. قال للصلب.., (و) عن مجاهد.. قال على أن يرد الماء في الإحليل..,(وفي رواية) قال على رد النطفة في الإحليل.., (وفي رواية أخرى) قال في الإحليل.., وقال آخرون بل معنى ذلك إنه على رد الإنسان ماء كما كان قبل أن يخلقه منه.., (عن) الضحاك يقول.. إن شئت رددته كما خلقته من ماء, وقال آخرون بل معنى ذلك إنه على حبس ذلك الماء لقادر.., قال ابن زيد.. على رجع ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج كما قدر على أن يخلق منه ما خلق قادر على أن يرجعه, وقال آخرون بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر.. عن الضحاك.. يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة, وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله ﴿عَلَىَ رَجْعِهِ﴾ من ذكر الإنسان, وقال آخرون ممن زعم أن الهاء للإنسان معنى ذلك أنه على إحيائهبعد مماته لقادر.., عن قتادة..(قال) إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر, وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معنى ذلك إن الله على رد الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيا كهيئته قبل مماته لقادر, وإنما قلت هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب لقوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ فكان في إتباعه قوله ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ نبأ من أنباء القيامة دلالة على أن السابق قبلها أيضا منه.., يقول تعالى ذكره إنه على إحيائه بعد مماته لقادر يوم تبلى السرائر, فاليوم من صفة الرجع لأن المعنى إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر, وعني بقوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ يوم تختبر سرائر العباد فيظهر منها يومئذ ما كان في الدنيا مستخفياً"(39).

وقال ابن كثير: "وقوله تعالى ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ فيه قولان؛ أحدهما: على رجع هذا الماء الدافق إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك, قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما, والقول الثاني: إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق أي إعادته وبعثه إلى الدار الآخرة لقادر, لأن من قدر على البداءة قدر على الإعادة, وقد ذكر الله عز وجل هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع, وهذا القول قال به الضحاك واختاره ابن جرير, ولهذا قال تعالى ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾, أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر, أي تظهر وتبدو ويبقى السر علانية والمكنون مشهورا.., وقوله تعالى ﴿فَمَا لَهُ﴾ أي الإنسان يوم القيامة ﴿مِنقُوّةٍ﴾ أي في نفسه ﴿وَلاَ نَاصِر﴾ أي من خارج منه أي لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب الله ولا يستطيع له أحد ذلك(40).

وقال أبو السعود: "﴿إِنّهُ﴾:الضمير للخالق تعالى فإن قوله ﴿خُلِق﴾ يدل عليه, أي أن ذلك الذي خلقه ابتداء مما ذكر على رجعه, أي على إعادته بعد موته, لقادر.. ﴿فَمَا لَهُ﴾ أي للإنسان ﴿مِن قُوّةٍ﴾ في نفسه يمتنع بها ﴿وَلاَ نَاصِر﴾ ينتصر به"(41), وقال الشوكاني: "الضمير في ﴿إِنّهُ﴾ يرجع إلى الله سبحانه لدلالة قوله ﴿خُلِق﴾ عليه, فإن الذي خلقه هو الله سبحانه والضمير في ﴿رَجْعِهِ﴾ عائد إلى الإنسان, والمعنى أن الله سبحانه على رجع الإنسان أي إعادته بالبعث بعد الموت لقادر, هكذا قال جماعة من المفسرين, وقال مجاهد على أن يرد الماء في الإحليل, وقال عكرمة والضحاك على أن يرد الماء في الصلب, وقال مقاتل ابن حيان يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة, وقال ابن زيد إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر, والأول أظهر ورجحه ابن جرير والثعلبي والقرطبي.., ﴿فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر﴾ أي فما للإنسان من قوة في نفسه يمتنع بها عن عذاب الله ولا ناصر ينصره مما نزل به"(42), وقال البغوي: "قال قتادة إن الله تعالى على بعث الإنسان وإعادته بعد الموت قادر, وهذا أولى الأقاويل لقوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ وذلك يوم القيامة.., فما له من قوة ولا ناصر أي ما لهذا الإنسان المنكر للبعث من قوة يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر ينصره من الله"(43), والحاصل كما ترى بجلاء هو إجماع المحققين على إعادة الضمائر إلى الإنسان وإن كان هو المذكور الأبعد ذكراً من الماء, وليس عود الضمير إذاً في الفعل (يخرج) إلى الماء بأولى من عوده للإنسان مثلها, ولا توجد قرينه لتشتيت مرجع الضمائر, قال السيوطي: "الأصل توافق الضمائر في المرجعحذرا من التشتيت ولهذا لما جوز بعضهم في ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمّ﴾ طه 39 أن الضمير في الثاني للتابوت وفي الأول لموسى عابه الزمخشري وجعله تنافرا مخرجا للقرآن عن إعجازه, فقال: والضمائر كلها راجعة إلى موسى ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت فيه هجنة لما يؤدي إليه من تنافر النظم الذي هو أم إعجاز القرآن ومراعاته أهم ما يجب على المفسر, وقال في ﴿لّتُؤْمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ الفتح 9: الضمائر لله تعالى والمراد بتعزيره تعزير دينه ورسوله ومن فرق الضمائر فقد أبعد"(44).

وقال ابن القيم: "وقوله ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ الصحيح أن الضمير يرجع على الإنسان, أي أن الله على رده إليه لقادر يوم القيامة وهو اليوم الذي تبلى فيه السرائر, ومن قال أن الضمير يرجع على الماء؛ أي إن الله على رجعه في الإحليل أو في الصدر أو حبسه عن الخروج لقادر فقد أبعد, وإن كان الله سبحانه قادرا على ذلك, ولكن السياق يأباه, وطريقة القرآن وهي الاستدلال بالمبدأ والنشأة الأولى على المعاد والرجوع إليه, وأيضا فإنه قيده بالظرف وهو ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾, والمقصود أنه سبحانه دعا الإنسان أن ينظر في مبدأ خلقه ورزقه فإن ذلك يدله دلالة ظاهرة على معاده ورجوعه إلى ربه, وقال تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَىَ طَعَامِهِ. أَنّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً. ثُمّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدَآئِقَ غُلْباً. وَفَاكِهَةً وَأَبّاً﴾ عبس 24-31, فجعل سبحانه نظره في إخراج طعامه من الأرض دليلا على إخراجه هو منها بعد موته, استدلالا بالنظير على النظير, ومن ذلك قوله سبحانه ردا على الذين قالوا "أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا": ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ الإسراء 99, أي مثل هؤلاء المكذبين, والمراد به النشأة الثانية وهي الخلق الجديد, وهي المثل المذكور في غير موضع, وهم هم بأعيانهم فلا تنافي في شيء من ذلك بل هو الحق الذي دل عليه العقل والسمع ومن لم يفهم ذلك حق فهمه تخبط عليه أمر المعاد وبقي منه في أمر مريج, والمقصود أنه دلهم سبحانه بخلق السموات والأرض على الإعادة والبعث وأكد هذا القياس بضرب من الأولى وهو أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس فالقادر على خلق ما هو أكبر وأعظم منكم أقدر على خلقكم, وليس أول الخلق بأهون عليه من إعادته, فليس مع المكذبين بالقيامة إلا مجرد تكذيب الله ورسوله وتعجيز قدرته ونسبة علمه إلى القصور والقدح في حكمته, ولهذا يخبر الله سبحانه عمن أنكر ذلك بأنه كافر بربه جاحد له لم يقر برب العالمين فاطر السموات والأرض, كما قال تعالى ﴿وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنّا تُرَاباً أَإِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ﴾ الرعد 5, وقال المؤمن للكافر الذي قال ﴿وَمَآ أَظُنّ السّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رّدِدتّ إِلَىَ رَبّي لأجِدَنّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً﴾ الكهف 36, فقال له ﴿أَكَفَرْتَ بِالّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ سَوّاكَ رَجُلاً﴾ الكهف 37, فمنكر المعاد كافر برب العالمين وإن زعم أنه مقر به, ومنه قوله تعالى ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ ب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نشأة الذرية معجزة علمية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  معجزة علمية للحبيب صلى الله عليه وسلم
» معجزة الرجلين
» بحث حول نشأة الانترنت
» أسئلة علمية عامة
» معجزة عظيمة في كلمات الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى متوسطة الشهيد بوربيعة الحملاوي التعليمية  :: منتدى الاعجاز العلمى والموسوعات-
انتقل الى: