إسرائيل تدفع باتجاه حالة "لا حرب ولا سلم" مع غزة
الاعتداءات التي تشنها اسرائيل بين الفينة والأخرى على قطاع غزة منذ ما عرف بالانسحاب أحادي الجانب كانت بهدف كسر مشروع وإرادة المقاومة وإجبار ها على القبول بالأمر الواقع الذي تريده اسرائيل بأن تصبح غزة خارج دائرة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وتتحول إلى وحدة جغرافية يسرى بينها وبين دولة الاحتلال حالة فك اشتباك (تشبه الوضع القائم مع سوريا منذ 67).
المواجهات المتتالية بين فصائل المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال كانت تنتهي بالإعلان عن تهدئة او هدنة وراء هدنة. اسرائيل من جانبها ترى في الهدنة انجازا ضئيلا على امل ان تصل بالفلسطينيين الى القبول بالتسليم بواقع غزة وحدة جغرافية منفصلة تحكمها علاقة فك اشتباك طويل المدى مع الاحتلال في اطار المشروع الاستراتيجي الاسرائيلي الذي يتمثل في حل القضية الفلسطينية على اساس إلحاق الكتل السكانية الفلسطينية إلى أقرب دولة عربية من الناحية الجغرافية.
وفي هذا السياق يمكن ان نفهم سياسة الاغتيالات للقادة والزعماء الفلسطينيين، وليس آخرهم الشهيد القائد احمد الجعبري رحمه الله.
.
مصطلحات تخدم المشروع الاستراتيجي لإسرائيل
اننا ومن خلال هذه المقدمة اردنا ان نشير إلى ان جزءا كبيرا من صراعنا مع الاحتلال انما هو صراع على "الوعي" وحول ما تعنيه "المفاهيم"، ذلك ان "الوعي" و"المفهوم" هو ما يحدد ما يمكن ان يحصل عليه كل طرف من مطالبه..!
من هذا المدخل نشير إلى المصطلحات التي يستخدمها الوسطاء بين حماس وقوى المقاومة من جانب، واسرائيل من جانب آخر. فالمصطلحات المستخدمة من قبل الإخوة المصريين والأتراك من قبيل "اسرائيل هي من خرق الهدنة"، "السعي للوصول إلى تهدئة تعزز السلام الحقيقي والعادل". مثل هذه التعابير والمصطلحات على ما تبدو عليه من براءة تحمل في طياتها خطورة كبيرة بما توجهه من رسائل خطيرة إلى "لاوعي" القارئ والسامع، فهي تشير بشكل ضمني إلى ان مخترق التهدئة هو الآثم والمعتدي، وانه لولا هذا الخرق لبقيت الهدنة إلى الأبد.. وهذا يحمل في طياته ان الفلسطينيين سيكونون مدانين ومعتدين اذا لم يحافظوا على الهدنة..!
خطورة هذه المصطلحات والمفاهيم انها تخاطب "اللاوعي" والعقل الجمعي للجماهير وتساهم في صياغة "الوعي الجديد" الذي تريده اسرائيل وامريكا..!
.
ماذا تريد اسرائيل من مصر؟
اسرائيل تعي جيدا الوضع المصري الجديد. مصر خارجة للتو من ثورة، مثقلة بأعباء اجتماعية واقتصادية وأمنية خاصة سيناء. والحكم الجديد بحاجة ماسة إلى شرعية ودعم دولي خاصة من الدول الغربية.
اسرائيل تحاول استغلال هذه المعطيات كما العلاقة المميزة بين مصر تحت حكم الإخوان المسلمين وحركة حماس من اجل - على الاقل - ان تلعب مصر دورا في إقناع حماس وبقية الفصائل بالتزام حديدي بهدنة طويلة الأمد مع الاحتلال.
.
اسرائيل تريد ان تدخل مشروعها ضمن اطار الواقع الذي تشكل في العالم العربي جديدا.
حصار غزة ورقة في يد اسرائيل للتفاوض والمقايضة مع من يأخذ على عاتقه تنفيذ مشروع اسرائيل الاستراتيجي فيما يخص غزة. في هذا السياق، اسرائيل عبرت عن رغبتها في منح انهاء جولة الصراع الحالية الى المصريين والأمريكيين.
من جهة الولايات المتحدة فإن مصر هي الجهة المعتمدة للحديث مع حماس لكل ما يتعلق بغزة.
.
معايير للحكم على تقدم المخطط الاسرائيلي
بعيدا عن التصريحات والخطابات هنا وهناك حول الإنجازات والأهداف... الخ، فإن الأمور تقاس في ضوء التالي:
.
اسرائيل طلبت هدنة بعيدة المدى بعكس ما درجت على المطالبة به سابقا.
اسرائيل طلبت التزام كافة الفصائل الفلسطينية بوقف اطلاق نار بشكل كامل ومطلق بضمانة مصرية تضمن حتى الفصائل الصغيرة. اسرائيل تعمل على عرقلة وإفشال سعي الفلسطينيين للحصول على عضوية دولة ولو كانت بصفة مراقب في الأمم المتحدة. انتصار اسرائيل او فشلها في هذه المعركة يتوقف على نسبة نجاحها في انجاز النقاط السابقة.
.
مستقبل نتنياهو ـ باراك في المشروع الاستراتيجي الاسرائيلي
خطة الهجوم الحالي على غزة أعدها الجيش الاسرائيلي منذ فترة وتم ركنها إلى اللحظة المناسبة. تنفيذها في هذا الأوان قبيل الانتخابات، جرى بإرادة الجيش، حيث لم يكن بمقدور الجيش ضبط النفس بعد عمليات المقاومة المتلاحقة والمتميزة - خصوصا قصف جيب اسرائيلي بصاروخ كورنيت - وهذا الأمر ينطوي على قدر من المخاطرة على مستقبل كل من رئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه باراك، حيث رفض حماس والفصائل المقاومة لتلبية الحد الأدنى من المطالب الاسرائيلية قد يضطر الجيش للانتقال إلى مرحلة هجوم بري مما يعني تورط في معركة لا تحمد عقباها على الاسرائيليين فضلا عن خسارة نتنياهو وباراك الانتخابات القادمة.
.
أخيرا:
بقي أن نشير إلى ان التخوفات التي بسطناها في هذا التقدير للموقف لا تنفي حقيقة ان المقاومة الفلسطينية - حماس والجهاد وكل الفصائل والتنظيمات الاسلامية والوطنية - خاضت معركة مشرفة فريدة بكل المقاييس. ولعل التاريخ يسجل ان معركة غزة الثانية والجارية الآن هي المعركة التي لم ولن تقوم لإسرائيل بعدها قائمة بإذن الله، ودافعنا إلى بسط هذه المخاوف من اجل دفع القادة الفلسطينيين والعرب إلى التفكير مليا في المرامي البعيدة للسياسة الاسرائيلية.
جؤيدة الشروق