يحفظون القرآن كاملا وهم لا يعرفون كلمة من اللغة العربية

مليون حافظ لكتاب الله ونصف مليون مسجد في أندونيسيا
يحفظون القرآن كاملا وهم لا يعرفون كلمة من اللغة العربية

دخل الإسلام إلى أندونيسيا، بلد الربع مليار نسمة، في العام الثلاثين بعد الهجرة، نقله تجار عرب ومسلمون من دون فتوحات ومقاومة، كان الناس غرقى بين هندوس وبوذيين ومسيحيين، فتغلل الدين الحنيف في هدوء، وتمكن منذ بداية الألفية الحالية من أن يتوغل إلى دواليب الحكم، فصار القرآن دستورا حقيقيا يقرأه الأندونيسيون، ويحفظونه بلغة عربية سليمة، رغم أن الكثير منهم لا يفهم اللغة العربية، ولكنه يترجم القرآن ويعرف معانيه ويباشر تطبيق تعاليمه.

وتنافس أندونيسيا دولتين مسلمتين مجاورتين لها، هما ماليزيا وسلطنة بروناي، في مسابقات تلاوة وحفظ القرآن الكريم، وكان الشيخ أحمد مهاجر قد فاجأ العالم عام 1981 في مسابقة تلاوة كتاب الله العالمية، التي نظمت في مكة المكرمة، عندما انتزع المرتبة الأولى أمام أشهر المقرئين في المملكة العربية السعودية ومصر، من الذين يتلون الكتاب الخالد في الحرمين الشريفين، أبهرهم بتلاوته العطرة، وتحول إلى رمز يفتخر به الأندونيسيون، وكما فاق عدد المساجد وكلها كبيرة وتحفة حقيقية 600 ألف مسجد في كامل البلاد، حيث إن آخر إحصاء رسمي عام 2012 تحدث عن رقم 591 ألف و869 مسجد كبير، فإن مدارس حفظ القرآن الكريم أيضا تكاثرت، تضاف إليها المدارس المتواجدة في كل المساجد التي لا تغلق أبوابها نهائيا طوال الليل والنهار، والمدارس الحكومية والخاصة، وحتى دور الحضانة التي تقدم كتاب الله لأبناء هذا البلد، الذي يتعدى فيه عدد الجزر المتناثرة في المحيط السبعة آلاف جزيرة، وبالرغم من أن أندونيسيا بها الآلاف من المعاهد الإسلامية، إلا أن العائلات الأندونيسية تتنافس وتتفاخر عندما ترسل أبناءها لدراسة الشريعة في الدول العربية مثل الأزهر الشريف ومعاهد المغرب الأقصى والمملكة العربية السعودية، وحتى في الجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر بقسنطينة، التي كانت تستقبل عشرة طلبة أندونيسيين في كل سنة في فترة سابقة، ويوجد بها حاليا طالبان يحضران للدكتوراه.

يقول السيد رحيم أمين، البالغ من العمر 32 سنة، وهو من حفظة كتاب الله ومن أحسن المرتلين، للشروق اليومي، إن حكايته مع كتاب الله بدأت عندما كان تلميذا في التحضيري، حيث دفعه والداه ليحفظ القرآن الكريم، فحفظ في صباه عشرين حزبا، وهو لا يفهم كلمة عربية واحدة، وعندما كبر، تمكّن من حفظ عشرين حزبا جديدا وهو يجهل اللغة العربية، إلى أن تنقل للدراسة في الأزهر الشريف، حيث تعلم اللغة العربية في ظرف وجيز، وفي قسنطينة التي حصل فيها على الليسانس في الشريعة، انتقل لقراءة التفاسير الشهيرة، وأكمل حفظه قبل أن يعود إلى أندونيسيا لينقل تجارب الأمم المختلفة مع كتاب الله، إلى بلد صار يتنفس قرآنا، رُزق السيد رحيم أمين بثلاثة أبناء، اختار لهم أسماء إسلامية عربية هي رفيق محمد الأمين للطفل، ورازان كاميليا، وراية الانتصار للبنتين، ويتمنى أن يُوفقه الله ليُحفظ كتاب الله لأبنائه، كما نقل والداه إليه النفحات الربانية، ويسير على دربه السيد أحمد يسري البالغ من العمر 30 سنة، الذي اعترف بصعوبة المهمة بسبب اللغة، ولكنه مقتنع أن الله يساعد كل من يضع قدمه على طريق القرآن إلى أن يكمل ستين حزبا، وتشترط جامعة الأزهر على الآلاف من الأندونيسيين وكل الشعوب غير العربية، حفظ على الأقل ثمانية أجزاء من كتاب الله، لأجل ذلك يتنافس مئات الآلاف في أندونيسيا على حفظ كتاب الله.

وتعتبر حاليا مسابقة الجائزة الكبرى لتلاوة القرآن الكريم التي تقام في أندونيسيا، من أكبر المسابقات في العالم، ومن أشهر دور الحفظ في أندونيسيا يتألق معهد أبي هريرة ومعهد المعتوق في جزيرة لومبوك وسوكابومي، حيث أعطت الكثير من المقرئين المشهورين ومنهم القارئ محمد شهر الحبيب أحد المتوجين في مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم.

ويفسر الشيخ حسن علي، وهو إمام جامع الاستقلال أكبر مساجد جنوب القارة الآسيوية للشروق اليومي، ما بلغته أندونيسيا في بناء المساجد وحفظ كتاب الله، بالتعاون الكبير بين الدولة والمجتمع المدني، الذين يصران على أن يكون المسجد أجمل ما في المدينة والحي، وعلى أن يكون المصلّي أكثر الناس نظافة وأخلاقا، فحفظ كتاب الله ليس شأنا حكوميا وإنما جهد يبذله المجتمع الاندونيسي، وعندما نقول إن عدد المساجد في أندونيسيا قد فاق 600 ألف مسجد تؤدى فيها جميعا صلاة التراويح، فإن عدد الحفظة سيزيد بالتأكيد عن المليون في بلد يصر مسؤولوه على أن يكون الذي يؤم المصلين في صلاة التراويح حافظا وليس مستعينا بالقراءة من المصحف الشريف.

الأندونيسيون اجتهدوا في التعامل بطرق مختلفة مع حفظ وقراءة القرآن الكريم، في ظل جهلهم للغة العربية، وتبقى الطرق الأهم والأكثر تداولا، هي التجمع حول ُمتقن للغة العربية وترديد ما يقول أو على الأقل الاستماع إلى تلاوته، مع متابعة ترجمة للمعاني باللغة الأم، ويتأسف الأندونيسيون وهم يتحدثون للشروق اليومي عن عدم تعلمهم اللغة العربية، رغم ما يبذلونه من جهد، لأن اللغة الرسمية في أندونيسيا هي الأندونيسية، والبلد لا يكاد يحتاج للغة أخرى، لأنه أشبه بالقارة الكبيرة التي يقطنها ربع مليار نسمة، يُصنّعون كل ما يحتاجونه في حياتهم، والطلبة الجامعيون الأندونيسيون يدرسون الطب والهندسة والحقوق وعلم الفضاء وكل العلوم باللغة الأندونيسية، ومع ذلك فللغة الإنجليزية مكانة في الدولة والمجتمع، وتوجد صحف وقنوات تلفزيونية بلغة شكسبير، ولا يوجد أي أثر للغة الهولندية التي هي لغة مُستعمر أندونيسيا، وتراجُع العرب علميا ولغويا، هو سبب عدم إقبال الأندونيسيون على لغة القرآن، حيث لا يحتاج الأندونيسيون في بحور العلم إلى اللغة العربية، إلا بالنسبة للذين يريدون دراسة الشريعة في الدول العربية، بينما تُدرّس الشريعة في المعاهد الأندونيسية باللغة الأندونيسية، وتبقى العربية إجبارية في خطبة الجمعة ومدارس القرآن الكريم، ولكنها غير كافية لأجل الفهم الكامل للقرآن الكريم، ولكن غالبية الأندونيسيين يحفظون الآيات التي تدعوهم إلى العلم وإلى مكارم الأخلاق.

ولا يمكن أن تدخل بيتا أو محلا تجاريا أندونيسيا، دون أن تجد صورا وإطارات مزيّنة بآيات قرآنية مكتوبة جميعا باللغة العربية والكتابات العربية البديعة، فلا تحس أبدا أن اللغة العربية غريبة في أندونيسيا ولو شكلا، ومن السنن الحسنة والشائعة في أندونيسيا أن مختلف الاجتماعات المهنية والدراسية تبدأ بتلاوة القرآن الكريم، والأدعية المأثورة بلغة القرآن، كما أن كل الأئمة والمؤذنين يواصلون دراستهم وهم يمارسون مهنتهم، فيقدمون أذانا بديعا يقوم سواح أندونيسيا من بريطانيين وهولنديين بتسجيل وتصوير الأذان والمساجد البديعة، فنجد أن البلد يقدم الإسلام شكلا ومضمونا بديعا كما ارتضاه الخالق.

ومكّن التطور التكنولوجي الكبير الذي حققته أندونيسيا من خدمة كتاب الله، وغالبية المنتوجات القرآنية التي تغزو المملكة العربية السعودية، ويستقدمها الحجاج معهم من إنتاج أندونيسي، مثل الساعات التي تؤذن وتطلق الآيات القرآنية، وأجهزة كمبيوتر تُحفّظ كتاب الله، ولعب أطفال تدعو للقيم الفاضلة، ورغم أن مطبعة فهد للقرآن الكريم في المدينة المنورة وفّرت المصاحف المترجمة للغة الأندونيسية، إلا أن مطابع كتاب الله متواجدة بقوة، ولا يمكن أن يوجد بيت في أندونيسيا من دون مصحفين، أحدهما بالكامل باللغة العربية، والثاني بصفحة عربية وأخرى مترجمة للغة الأندونيسية.

سئلت السيدة عائشة أم المؤمنين عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت إنه كان خلقه القرآن، أحد تلاميذ المدارس القرآنية في أندونيسيا قال لنا إنه يحلم بأن يصبح كل الأندونيسيون خلقهم القرآن، ولكم أن تتصوروا أكثر من مئتي مليون مسلم في هذا البلد البعيد جغرافيا والقريب جدا من كل المسلمين خلقهم القرآن.

» بعض معاجم اللغة العربية
» عظمة اللغة العربية
» الكامل في اللغة العربية
» قواعد اللغة العربية
» اختبار اللغة العربية