يوسف ترك لنا ثروة كبيرة... ترك الاسم الشهيد لم يتزوّج غيري وأنا أعيش على مرتّبه الشهري والحمد لله
نحن نفتخر بعائلتنا ولم ننكر وجودها يوما
ارتبط اسم الشهيد زيغود يوسف بهجومات 20 أوت 1955، وهو أحد أبطال الثورة الذين ضحوا من أجل القضية العادلة لشعبهم ومبادئ الحرية. حقائق صارخة من وحي ذلك اليوم المشهود عهدنا بتسجيل وقائعها التي تكاد تتلاشى من ذاكرة أرملته الحاجة طريفة عائشة وابنته الوحيدة شامة التي تركها طفلة صغيرة. ''النهار'' حاولت تسليط الضوء ولو على جزء بسيط على مجريات وحقائق من مشواره العسكري والنضالي من أجل القضية الوطنية بعد مرور ما يقارب 6 عقود من الانتفاضة. بابتسامة عريضة وفرحة عارمة استقبلتنا الحاجة عائشة صاحبة 88 عاما في منزل ابنتها شامة، الكائن بحي ساقية سيدي يوسف بقسنطينة، أين روت لنا أدقّ التفاصيل عن حياتهما الزوجية مع قائد العمليات العسكرية بالشمال القسنطيني، موضّحة رفقة ابنتها بعض الأمور المتعلّقة بأسرتها التي فُهمت خطأ.
كل أبنائي ماتوا ولم تبق سوى ''شامة''..
استهلّت الحاجة ''عائشة '' حديثها عن قرينها الراحل، قائلة إن يوسف إبن السعيد إبن أحمد وأمه غرابي يمينة إبنة الطاهر، ولد في 18 فيفري 1921 بدوار الصوادق بقرية ''كوندي سمندو''، وهي الدائرة التي تحمل اسمه حاليا، ترعرع في كنف أسرة متواضعة تنبع بالوطنية، تعلم القرآن في الكتاب، كما التحق بإحدى المدارس الفرنسية، أين تحصّل على الشهادة الابتدائية، لكن الظروف لم تسمح له بمواصلة دراسته، حيث اضطرّ للعمل في ورشة حدادة عند أحد المعمرين لإعالة عائلته كما أنه امتهن النجارة، وبعد مرور الوقت تمكن من توفير نصيب من المال جعله شريكا في ورشة الحدادة، ومن ثم قرّر تكوين أسرة صغيرة سنة 1942 لذلك اختارتني أمه شريكة له، كانت في الحقيقة تجمعني بها صلة قرابة... تزوّجته لما كنت أبلغ من العمر 16 سنة، فوجدت فيه الصفات التي تتمناها كل فتاة، كان يوسف صاحب كلمة وشهم، وكانت له رهبة حتى أنني كنت أخشى النظر في عينيه، رزقنا بستة أطفال، ٤ ذكور وبنتين وهم السعيد، فاطمة الزهراء، محمد العربي، شامة، طارق ومراد، لكنهم كلهم ماتوا وهم صغار بسبب المرض باستثناء شامة التي لاتزال على قيد الحياة.
زوجي تمنى أن تعيش الجزائر حياة كريمة
توقّفت قليلا لتضيف قائلة، على الرغم من أنه لم يصرف نفسه عن قضية وطنه ولم ينس وضع مجتمعه، لأنه كان يأمل أن يعيش أبناؤه وكل أبناء الجزائر حياة كريمة، فقد انخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري سنة 1940، فكنى نفسه بالسي أحمد لكي لا يتعرّف عليه العدو. وذكرت الحاجة عائشة أن زوجها كان كتوما جدّا، لأنه لم يكن يخبرهم عن نضاله السياسي، وهي لم تكن تسأله عما كان يقوم به لأنها كانت تستحي. واصلت أرملة الشهيد كلامها، ''اضطررت لترك منزلي لأن عائلة زيغود كان مبحوثا عنها من قبل المستعمر''، باعتبار أنهم أسرة في منتهى الخطورة، فكانت هناك عائلات تستقبلهم بصدر رحب وأخرى ترفض وجودهم خوفا من المستعمر لكنها كانت تتفهّم الأمر، لذلك سهر المجاهدون على تحويلها من مكان إلى آخر حفاظا على سلامتها، السبب الذي جعل من لقاءاتها بزوجها قليلة ولا تدوم أكثر من يومين.. كان يأتي ليطمئن عليهم ثم يغادر. انخرط زوجي في المنظمة السرية فشرع في نشر الفكرة الوطنية بين أبناء منطقته، الأمر الذي سمح له بقيادة مظاهرات 8 ماي 1945، وقد انطلقت التحضيرات من منزلي، حيث إني قمت بخياطة الأعلام الوطنية، في الوقت نفسه الذي كان يوسف يعمل في مشغل الحدادة مع المعمر للتمويه، ولما اكتشف الأمر لم يعجبه الأمر فقررنا مغادرة البيت، لذلك توجّهنا للعيش في بيت عمه ساعد وهو المكان الذي كان يقوم فيه باجتماعاته السرية، حيث كنت أحضّر لهم آنذاك الطعام وبعد ذلك كان يأخذني إلى بيت خالته خوفا عليا، وفي 1947 شغل منصب نائب رئيس بلدية السمندو على الرغم من محاولات فرنسا تزوير الانتخابات.
يوسف فرّ من سجن عنابة بعد حفر السقف بواسطة ملعقة
كان يوسف يعمل بسرية تامة، لكن سنة 1950 اكتشف أمره ليتم زجّه في سجن الكدية، أين تعرّض لتعذيب شديد لمدة 20 يوما، وبعدها حُوّل إلى سجن عنابة، أخذ يفكر في وسيلة للفرار، وبعد تحريه الوضع داخل السجن، استخدم ملعقة لحفر السقف وقد استغرقت معه هذه العملية شهرا كاملا، وبعدها قام بتمزيق الفراش لاستخراج الحشو الذي صنع منه حبلا ساعده على الفرار رفقة 3 من رفاقه، وقبل مغادرة المكان عمد على حرق كل الوثائق التي كانت تخص المساجين، وبقي في منطقة وادي بوكركر رفقة ديدوش مراد عند ابن خالته يحضرون لثورة 1 نوفمبر 1954، وقد شارك أيضا في معركة بوكركر، أين سقط فيها ديدوش مراد شهيدا ثم خلفه فأصبح قائد الناحية الثانية، وقد تزامن ذلك مع فترة ولادة ابني الصغير الذي سميناه بمراد نسبة للشهيد.
يوسف شعر بقرب ساعته
وفيما يخص هجومات 20 أوت 1955، قالت الحاجة عائشة إن يوسف قرر شن هجمات على الثكنات التابعة للدرك الفرنسي، والتي ساهمت في فك الحصار على منطقة الأوراس، وبعد مرور سنة شارك في مؤتمر الصومام، وأضافت أرملة الشهيد أن يوسف شعر بقرب ساعته لأنه قام بزيارتهم قبل وفاته، كما طلب حضور شقيقته زبيدة، وبعدها توفي في 23 سبتمبر 1956 بمنطقة السطيحة في سيدي مزغيش، بعد الإشتباك مع العدو، إلا أن نبأ وفاته لم يبلغهم إلا بعد شهر من ذلك.
عائلة جزائرية تكفلت بتعليم كريمة الشهيد
من جهتها، ذكرت شامة ابنة الشهيد زيغود يوسف صاحبة 66 عاما، أنها لا تذكر شيئا عن والدها لأنها كانت صغيرة، أما فيما يتعلق بتعليمها، فقد قالت إنه تم تهريبها إلى تونس حينما كانت تبلغ من العمر 8 سنوات، أين تكفلت بتعليمها عائلة جزائرية مقيمة هناك لمدة سنة تدعى ''عيساوي''، وبعدها عاشت عند عائلة جزائرية أخرى تدعى'' منتوري'' لمدة ٤ سنوات، ولم تعد إلى أرض الوطن إلا بعد الاستقلال.
أنا أفتخر بعائلتي ولم أنكرها يوما!
وعلى صعيد آخر، قالت السيدة شامة إنها ترغب في توضيح بعد الأمور لتضع النقاط على الحروف، خاصة بعدما نشر مؤخرا في إحدى الصحف الوطنية، مشيرة إلى أنها تملك عائلة كبيرة لم تنكر وجودها يوما، بل تفتخر بها لأن جذورها ثورية يرفع بها الرأس، فإلى جانب والدها، فإن عائلة زيغود تضم 6 شهداء آخرين أمثال موسى، عمار، أحمد وغيرهم، دفنوا كلهم في مقبرة الشهداء التابعة لبلدية زيغود يوسف.
نحن نعيش على راتب شهري والحمد لله
واصلت الحاجة ''عائشة'' حديثها: ''بعد الإستقلال، وهبتنا الدولة الجزائرية راتبا شهريا الحمد لله يكفينا، كما أنها لم تبخل علينا بشقة في سيدي مبروك بقسنطينة، لكننا لم نستطع العيش فيها لأنها كانت بعيدة على المكان الذي تدرس فيه شامة، لذلك طلبت من الوالي مساعدتي فمنحني شقة في الكدية، لذلك قمت بإرجاع الأخرى وهي التي أعيش فيها حاليا''.
لا تعليق على وزارة المجاهدين وصدق لمّا قال: ''لا أريد أن أعيش استقلال الجزائر''
قالت شامة ابنة الشهيد زيغود يوسف إنه لا تعليق على رد فعل وزارة المجاهدين فيما يخص الاحتفال بيوم وفاته أو تقديم محاضرات أو على الأقل إشارة صغيرة في التلفزيون يوم 23 سبتمبر من كل سنة، مثلما يفعلون مع بقية الشهداء.. وتواصل: ''كنا نتمنى أن يتذكرونه على الأقل في اليوم الذي استشهد فيه والدي على الأقل من أجل التاريخ فقط، على كل حال ما قام به والدي كان من أجل الآخرة وليس الدنيا، وكان دائما يقول إنه يتمنى الاستشهاد وأن لا يشهد الجزائر مستقلة، وكأنه كان على علم بالصراعات وحب السلطة وما يحدث اليوم داخل المؤسسات وبين بعض الأشخاص، لم يحضر أي مسؤول في ذكرى وفاته إلا الوزير السابق السعيد عبادو الذي كان يخلد هذه الذكرى، لا نحتاج أي شيء الحمد الله نعيش مرتاحين ومنحة والدي تكفي والدتي وزيادة، لكن الاعتراف شيء جميل، في كل مرة السلطات المحلية لمدينة سكيكدة هم فقط من يتذكرون الشهيد، لا نطلب منهم أي شيء، لأن والدي ترك لنا ثروة كبيرة جدا وهو الإسم''
تمنّيت معرفة من يدّعي انه ابن الشهيد
أما عن الاشخاص الذين يظهرون بين الحين والآخر ويدّعون أنهم أبناء الشهيد ويزورون قبره، قالت أرملة الشهيد ''نحن كذلك سمعنا هذا الكلام، صحيح هناك أشخاص يدّعون أنهم مرة أبناء الشهيد ومرة إخوته ومرة زوجته.. لا ندري إذا كانوا أخذوا أي حقوق من الدولة أم لا، لكن هناك بعض الأشخاص قالوا إنهم أخذوا قطعا أرضية وحافلات، لا ندري إذا كان هذا الكلام صحيح أم لا''. لتضيف: ''ذات يوم، كتب الروائي رشيد بوجدرة في إحدى الجرائد اليومية وقال إنه التقى بابنة الشهيد وشقيقته في عنابة، لكن زيغود يوسف له شقيقة واحدة توفيت منذ خمس سنوات.. حاولنا الاتصال ببوجدرة لمعرفة الحقيقة، لكننا لم نفلح، كنت أتمنى التعرف على هؤلاء الأشخاص على الأقل لكي يكون لي أخ وطبعا إذا كان هذا الكلام صحيح''.
لم يتّصل بنا أي شخص لإنجاز فيلم عن زيغود يوسف
وبعد إنجاز مجموعة من الأعمال الفنية تخص شهداء الثورة، على غرار كريم بلقاسم، أحمد زبانة، مصطفى بن بولعيد وحاليا يجري تصوير فيلم حول الشهيد البطل عبان رمضان، أكدت ابنة منفذ هجومات 20 أوت 55: ''لم يتصل بنا أي شخص ولم نسمع إذا كان المشروع في طور الانجاز أو لا، نتمنى طبعا أن يتم تصوير فيلم حول الشهيد زيغود يوسف على الأقل من أجل التاريخ والثورة، ولكي يعرف أطفالنا ما قام به أسلافنا..، للأسف كل الذين عايشوا وعرفوا الشهيد توفوا ولم يبق منهم إلا شيبوط إبراهيم الذي كان رفيقه أثناء الثورة، والوحيد الذي مازال يتصل بنا، هذا الشخص يستطيع أن يفيدهم ويساعدهم بشهاداته، كي لا نقع في نفس المشكل الذي عرفته الأعمال الأولى، التي عرفت انتقادات لاذعة بسبب الخلط في الأحداث وعدم صحة الوقائع التي صُوّرت.