صقور النهضة في مواجهة الحمائم ضمن معركة مفتوحة
جمهورية الغنوشي على حافة الانهيار
تواجه حركة النهضة التونسية أخطر تحديا منذ تأسيسها، وهي التي صمدت أمام كل الهزات والمطاردات في عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورڤيبة ثم في عهد الرئيس الهارب زين العابدين بن علي، غير أن هذه الحركة التي عرفت كيف تحافظ على نفسها خلال سنوات المحنة تبدو الآن أقل صمودا أمام تحديات الحكم ومغريات المناصب، إذ بدأت تتصدع مع أول امتحان لها، وأصبح الشرخ واضحا بين ما يطلق عليه بحمائم الحركة وهم الذين كانوا في سجون بن علي، وبين صقورها الذين عادوا من المنفى بخطاب أكثر راديكالية.
.
النهضة بين وصاية زعامات "الخارج" وطموح قيادات "الداخل"
الغنوشي سيعزل الجبالي.. وعبد اللطيف المكي أقوى المرشحين لخلافته
مصادر لـ"الشروق": "الغنوشي كان يرى في الجبالي رئيسا لتونس"
كشفت مصادر مطلعة داخل النهضة التونسية لـ"الشروق" أن انشقاقا كبيرا حدث داخل الحركة منذ إعلان رئيس الحكومة حمادي الجبالي عن مبادرة حكومة تكنوقراط دون الرجوع إلى حزبه. وأشارت مصادرنا إلى أن الحركة تعقد اجتماعات ماراطونية في محاولة لتفادي الانقسام.
زاد التوتر بين القيادات الجامعية الشابة أو قيادات "الداخل" جناح الدولة المدنية والمصالحة الوطنية، وجناح "الخارج" ممثلا في الغنوشي ورفقائه. حيث يعيب الأول على الثاني حرصه على مركز الهيمنة أكثر من حرصه على تجنيب تونس النفق المظلم الذي قد يكرر على أرضها تجربة جزائرية إرهاصاتها الاغتيالات السياسية. وأكدت مصادرنا أن راشد الغنوشي جاهر بنيته عزل حمادي الجبالي وتركه يكمل المبادرة أي حكومة تكنوقراط ثم عرقلة المشروع باستغلال نسبة الأغلبية التي تملكها حركة النهضة، وبالتالي، فإن الجبالي قانونا "لا يمكنه التقدم في أي خطوة إلا إذا قدم استقالته وحكومته".
وأفادت نفس المصادر أن الغنوشي رأى في الجبالي الشروط المطلوبة في "رجل تونس" جغرافيا وسياسيا وفكريا، فهو ابن مدينة "سوسة" مسقط رأس حاكمي تونس السابقين وأيضا صاحب فكر اقتصادي ليبيرالي، إضافة إلى انتمائه إلى التيار الإسلامي، وبالتالي، يتوفر على جميع صفات مرشح الإجماع والتوافق مع الأحزاب الأخرى. إلا أن خرجة الجبالي "التي لا تغتفر" ستسرع بعزله وتحيل الحركة إلى تحضير شخصيات أخرى يعول عليها في المرحلة القادمة.
وهنا، أشارت مصادرنا إلى أن قيادات الحركة بدأت تفكر في قائمة من إطارات الحركة، والكفة لحد الآن تميل إلى كل من علي العريض وزير الداخلية الحالي، وعبد اللطيف المكي وزير الصحة. وفي نفس السياق، ذهبت صحيفة "البيان" الإماراتية إلى التأكيد على نية حمادي الجبالي تأسيس حزب جديد بعيدا عن حزب النهضة "المتشدد" وأن قيادات من داخل الائتلاف الحاكم وصفت قراراته بأنها "انقلاب على الترويكا"، حيث قلب الطاولة على الجميع، وأعاد خلط الأوراق بشكل مفاجئ، كما أنه وضع مستقبله السياسي مع حركة النهضة في الميزان، وسيكون عليه تقديم استقالته إلى رئيس الحكومة".
وأضافت المصادر أن الجبالي "معرّض حاليا لعزله وسحب الثقة من حكومته، وتكليف شخصية أخرى من حركة النهضة بتشكيل حكومة جديدة"، وهو ما يراه المراقبون أقرب إلى الواقع، لكن هذه الفرضية قد تصطدم بالعجز عن تحقيق تزكية لها داخل المجلس الوطني التأسيسي في ظل الانشقاقات الحاصلة في حزبي "التكتّل" و"المؤتمر" والتي يمكن أن تحصل داخل الحركة إذا أبدى نوّاب نهضويون انحيازهم لمواقف الجبالي. وقالت المصادر ذاتها إن رئيس الحكومة التونسية "تعرّض خلال الأشهر الماضية إلى ضغوط من قبل جناح الصقور في الحركة ومن محاولة محاصرته وتوجيه قراراته السياسية عقائديا، وبما قد يؤثّر على مصلحة البلاد، وأنه رفض ذلك بقوّة، وفي أكثر من مناسبة خيّر الانسحاب من اجتماعات مجلس الشورى والمكتب السياسي للحركة بعد تعرّضه لانتقادات حادة حول ما يعتبره جناح الصقور تغاضيا منه عن مصالح الحركة ومشروعها الأيديولوجي وأهدافها الاستراتيجية، إلى جانب رفضه لقانون العزل السياسي".
.
.
عسكر متربصون.. معارضة شرسة وسلفيون ينتظرون
النهضة في تونس تمارس... "العشق الممنوع"
تتشابك النهضة في علاقاتها المتعددة مع مختلف فعاليات الحراك السياسي في تونس، فكانت وراء انشاء فكرة "الترويكا" بحثا عن تمديد ربيع الهدنة واقتسام السلطة مع بقية الأحزاب السياسية، ناهيك على أنها فرضت نوعا من الهدوء الاستراتيجي في علاقتها مع العسكر، وكان الإعلام هو الطرف الأكثر مدعاة للتوتر مع الاسلاميين الوافدين إلى السلطة في زمن الربيع العربي.
العسكر... ودّ مشروط!
أكد العسكر مرارا وتكرارا في تونس ما بعد ثورة الياسمين أنهم سيبقون بعيدا تماما عن ممارسة السياسة أو التأثير فيها، فكان الجنرال رشيد عمار الذي تم تقديمه باعتباره أحد أبرز الوجوه التي عجّلت بإنهاء حكم الجنرال بن علي، بمثابة الإعلان الجديد للعلاقة ما بين اسلاميي النهضة والعسكر. وقد أكد الجيش أنه سيترك مسافة واحدة بينه وبين مختلف الفعاليات السياسية بما في ذلك الاسلاميين، سواء كانوا من النهضة أو التيار السلفي، علما أن العسكر، استعادوا مكانتهم التي سيطر عليها البوليس السياسي في مرحلة بن علي، فظهر الأمر على أنه تصالح ما بين الجيش والشعب، وذلك، لأن الأول لم يكن متهما بالمشاركة في الاستبداد أو قتل الثوار خلال المواجهات التي أطاحت ببن علي وحكمه.
الترويكا... بذور الفتنة من الداخل!
بحثت النهضة منذ تولي السلطة عن هدنة سياسية مع بقية الأحزاب، وتحديدا تلك التي اقتسمت معها السلطة، فطلب الحزب الذي له أكثر مقاعد في المجلس التأسيسي، من المؤتمر من أجل الديمقراطية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والحزب الديمقراطي التقدمي بالانضمام لتشكيل ائتلاف حاكم بقيادة مرشحها لرئاسة الحكومة السيد حمادي الجبالي. ولكن رفض الحزب الديمقراطي التقدمي المشاركة، في حين قبل كل من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي هذا المشروع مع حركة النهضة، بعد أن تم توقيع الإتفاق وقبوله، تم إنتخاب مصطفى بن جعفر رئيسا للمجلس الوطني التأسيسي التونسي والمنصف المرزوقي رئيسا للجمهورية التونسية وحمادي الجبالي رئيسا للحكومة التونسية.
بعد تشكل هذا الإئتلاف أصبحت الترويكا تمثل 91.53٪ في المجلس الوطني التأسيسي.
وكذلك لها رئيس المجلس الوطني التأسيسي من التكتل والنائب الأول له من النهضة والنائب الثاني له من المؤتمر، لكن الترويكا ظلت تحمل في تأسيسها بذور الفناء، للدرجة التي اهتزت بسببها مع أول اغتيال سياسي حصل، وراح ضحيته شكري بلعيد من المعارضة، فانسحب من انسحب، ولجأت النهضة لسيناريو حكومة الكفاءات لعل وعسى تنقذ ما خربته الترويكا!
السلفيون... مع وضد!
يمكن القول أن علاقة النهضة بالسلفيين، تقسم إلى مرحلتين، ما قبل الفيديو الشهير الذي ظهر فيه الغنوشي متحدثا للسلفيين والثانية.. ما بعده!
الفيديو المسرب أظهر على الانترنت راشد الغنوشي وهو يقول في اجتماع نادر مع سلفيين ان العلمانيين يسيطرون على كل مفاصل الدولة بما في ذلك الاقتصاد والجيش والإعلام، داعيا السلفيين إلى التحرك بحرية بعد ان اصبحت المساجد في أيدي الاسلاميين.
وأكد زعيم حركة النهضة في الفيديو على ضرورة أن يتحلى السلفيون في تونس بالصبر وألا يفرطوا في المكاسب التي حصلوا عليها بعد الثورة. وقال مخاطبا الشباب السلفي في هذا الاجتماع: "الآن ليس لنا جامع.. الآن عندنا وزارة الشؤون الدينية.. اقول للشباب السلفي: المساجد بأيدينا.. قدموا فيها ما شئتم من دروس وأطلقوا الإذاعات والتلفزيونات والمدارس"! وأضاف: "على الاسلاميين ان يملأوا البلاد بالجمعيات وأن ينشئوا المدارس القرآنية في كل مكان ويستدعوا الدعاة الدينيين، لأن الناس لازالت جاهلة بالإسلام".
تلك العلاقة لم تستمر "سمنا على عسل" وقتا طويلا، بل ان الخلافات سرعان ما طفت على السطح وتحديدا عقب تورط السلفيين في عملية الاعتداء على السفارات الأجنبية، وتحديدا الأمريكية والفرنسية، حيث كان على النهضة أن تستعمل السلاح ذاته الذي كان يستعمله بن علي ضد خصومه، وهو القمع في الشوارع والاعتقالات والمحاكمات السريعة!
الإعلام... عصي على التجنيد!
ظل الإعلام بمثابة الخصن المنيع ضد كل محاولات النهضة لاجتياحه، حتى أن العاملين في القنوات التلفزيونية العمومية وفي الجرائد التابعة للدولة، امتنعوا عن العمل تحت سلطة القيادات الجديدة التي نصبتها النهضة، وشنوا تمردا لم تنته جميع فصوله بعد.. وفي بحث منها عن شن حرب مضادة، حاولت النهضة انشاء مجموعة من الفضائيات للترويج لخطابها على غرار "القلم" والمتوسط، ولكنها لم تحقق حتى الآن النجاح المطلوب، في مقابل ارتفاع أسهم نسمة والتونسية التي يوجد صاحبها وراء القضبان.
.
.
الغنوشي جمعته علاقات مع كل الرؤساء من بن بلة إلى بوتفليقة
هذا ما قاله بن بلة لسيد احمد غزالي
لم تمر حركة النهضة التونسية بأزمة كالتي تتجرّع من كأسها في الوقت الحالي، لأنها أولا في السلطة، ولأن مقتل المعارض التونسي شكري بلعيد جعلها المتهم رغم أن كل الأدلة تؤكد أنها بعيدة عن موقع الجريمة، حركة النهضة التي جاوز سنها الأربعين، تبدو قادرة على الخروج من أزمتها، وهي كما عوّلت منذ تأسيسها على الجزائر مازالت تعوّل الآن لأجل أن تجتاز أزمة أريد لها بالقوة أن تقع فيها، وجمعت ومازالت كل قيادات حركة النهضة علاقات متميزة مع الجزائر وحتى مع رؤساء الجزائر من مؤسسيها راشد الغنوشي والمنصف بن سالم وعبدالفتاح مورو إلى أشهر الناشطين فيها على مدار أربعين سنة مثل صالح كركر وحبيب المكني ومقداد إسعاد الذي أصبح جزائريا.
وإذا كان التونسيون من الديموقراطيين بالخصوص يرون أن التاريخ سيعيد نفسه من خلال تكرار سيناريو ما حدث في الجزائر، بدخول النهضة في علميات التصفية الإرهابية، فإن الغنوشي كان دائما يدين ما يحدث في الجزائر من مجازر، رغم أن تفجيرات سوسة والمنستير التي هزت تونس وأثرت على السياحة فيها بعد أن أصيب عام 1991 قرابة 15 سائحا في المنستير قد ألصقها النظام السابق في حركة النهضة، واعتبرتها توأم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وتم الزج بـ 256 من جماعة النهضة في السجون التونسية عام 1992 وحكم عليهم بالسجن مدى الحياة، تأسست حركة النهضة التونسية عام 1972 وجمعتها علاقات مع قادة إسلاميين جزائريين مثل الراحلين محفوظ نحناح وعبداللطيف سلطاني وحتى عباسي المدني، وتزامن الإعلان عن نفسها حزبا في جوان 1981 مع حكم الشاذلي بن جديد الذي فتح أبواب الجزائر لعلماء الأمة مثل الشيخ الغزالي ويوسف القرضاوي.
ولا ينسى الشيخ الغنوشي أبدا تواجده في الجزائر وترحاب الشاذلي بن جديد به عندما هرب من تونس وحُكم عليه في ثلاث مناسبات بالسجن مدى الحياة، ولكن الضغوطات التي مارسها الرئيس الهارب على الحكومة الجزائرية بقيادة سيد احمد غزالي نسفت أيامه في الجزائر، وهو ما جعل الرئيس الراحل أحمد بن بلة "يلعن" الإستقلال الذي يجعل الجزائر غير حرّة في اتخاذ قرار الترحيب بضيوفها تحت ضغط بن علي، وهاجر بعد ذلك راشد الغنوشي نحو ليبيا والسودان، ولكن أيامه في المنفى العربي لم تزد عن أسبوعين، حيث طالته دائما سهام بن علي ليستقر بعد ذلك في لندن.
في عام 1974 عندما أطلقت حركة النهضة مجلتها الشهيرة "المعرفة" كان يكتب فيها جزائريون مثل عبد اللطيف سلطاني ورشيد بن عيسى وكان لا يخلو عدد من هاته المجلة دون ذكر الجزائر وعلمائها، وكتب مرة السيد راشد الغنوشي عمودا اعترف فيه بأن النهضة أخذت من المنابع الجزائرية الصافية، وذكر الشيخ عبد الحميد بن باديس والمفكر مالك بن نبي.
وتبقى آخر أهم زيارة قادت راشد الغنوشي إلى الخارج هي زيارته للجزائر، حيث التقى بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة والوزير الأول السابق أحمد أويحيى.
.