رسالة غزة إلى علماء المسلمين ؟
منذ أن بُعث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والعلم هو من أشرف ما يشتغل به المسلم، ولقد رفع الله تعالى مكانة العلم والعلماء فقال سبحانه: { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون }، وقال تعالى: { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }. كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عظيم دورهم بعده فقال: (إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر)، بل إن مكانة العلماء عند الخلائق كلها عظيمة كبيرة، فقد أخبر النبي الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: ("إن الله وملائكته وأهلالسموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلمي الناسالخير"..
والعلماء -الذين هم ورثة الأنبياء- هم أولوا الأمر الذين أمر الله تعالى المسلمين بطاعتهم بعد أمر الله ورسوله:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، وطاعتهم تعني أخذهم بزمام الأمور، وأن يكونوا أمينين على المسلمين وتوجيههم، وأن يكونوا صمامات أمان لهم في المجتمعات، ويكونوا القدوات التي يقتدي بها الناس في المسائل العامة والخاصة.
فهل يقف دور العلماء عند تعليم الناس دينهم، وهل دور العالم هو فقط أن يبين الحلال والحرام، وهل كان هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟
الحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يشغله نشر الإسلام والجهاد في سبيل الله، ولم يكن أبداً يجلس ويتقاعس، بل إن كثرة الغزوات والسرايا في حياته صلى الله عليه وسلم لأكبر دليل على ذلك.
وما يحصل اليوم في غزة من حصار شديد وتجويع وحرب شرسة، يقتل فيها الأطفال، وتمنع فيها أبسط حقوق الآدميين، لهو أمر عظيم ونازلة كبرى حلت بالمسلمين، وتستلزم مسارعة الجميع لعلاج هذا الوضع المشين، وينبغي أن يكون العلماء في مقدمة من يتصدى لهذا الأمر.
هل يعقل أن يجلس العلماء في بلاد المسلمين في النعيم والترف، وتفرش لهم الموائد ويركبوا السيارات الفارهة، ويغدق عليهم، وهناك من المسلمين من يحاصر ويجوع في فلسطين والعراق والصومال؟
أين هبة العز بن عبدالسلام، وأين هبة شيخ الإسلام بن تيمية، وأين من يتشبه بالإمام أحمد حين وقف في وجه ظلم الحاكم الذي أراد أن يفتن الناس في عقيدتهم، فصبر صبراً عجيباً، وتعرض للسجن والضرب والتعذيب، فلم يثنه ذلك.
ألا يستطيع علماء المسلمين في السعودية – بلاد الحرمين الشريفين – وفي باقي الخليج، وفي مصر، واليمن، وفي بلاد الشام في الأردن وسوريا ولبنان، وشمال إفريقيا، وفي السودان، وفي الباكستان، ودول آسيا، ، ألا يستيطعون أن يهبوا هبة رجل واحد ويصرخوا صرخة أمة واحدة، ويوجهوا شعوبهم إلى الانتفاض على الظلم، ويوجهوا الرسائل للحكام بأن يخجلوا من أنفسهم ويتذكروا وقوفهم بين يدي الله عز وجل؟
لماذا لا يشكل علماء المسلمين رحلة لفك الحصار عن غزة، ويأخذوا مركباً ويتجهوا به إلى غزة، ويعتصموا هناك؟
أين هيئة كبار العلماء في السعودية، أين المفتي عبدالعزيز آل الشيخ؟ أين الشيخ عبدالعزيز الفوزان، والخثلان، والأطرم، وأين المنيع والمصلح، وأين العريفي والقرنيون، والعودة، وغيرهم ؟
أين شيخ الأزهر الذي لا يسمع له صوت إلا عندما يصاب شخص من الغربيين اليهود أو النصارى؟
أين محمد حسان، وحسين يعقوب، ومحمود المصري، وأبو اسحق الحويني، وسائر الدعاة الذين يملأون شاشات الفضائيات، وكلهم له مكانته وكلمته عند المسلمين؟
أين العلماء الذين يفتون في الفضائيات ويبحثون في المسائل البسيطة، ألا يستحق المسلمون في فلسطين والصومال هبة ووقفة، أليس المسلم أكرم عند الله تعالى من الكعبة المشرفة؟
والله الذي لا إله إلا هو، لئن لم يهب العلماء والوجهاء لنصرة فلسطين، فلن يكونوا صادقين في دعوتهم، ولن يكونوا فاهمين لدينهم، فأولى أوليات الإسلام ومداره على حفظ: الدين والنفس والمال والعقل والنسل، فأين حفظ دين الناس، وأهل غزة يمنعون من حج بين الله الحرام؟
وأين حفظ النفس، والناس يجوعون ويمنعون الماء والغذاء والدواء؟
يا علماء المسلمين والله إننا نحملكم أمانة كلمة الحق، فخير جهاد للمسلم كلمة حق عند سلطان جائر، لن تعدموا أن تهزوا المنابر في مواجهة الباطل، لن تعدموا أن تدوروا على التجار وتلزموهم بدفع المال للمحاصرين، لن تعدموا أن تشكلوا لجاناً وترفعوا أصواتكم أمام الحكام، لن تعدموا أن تأخذوا مركباً وتتجهوا به نحو غزة، ووالله لئن فعلتم هذا ليكونن هذا من أبلغ أنواع الدعوة إلى الله، ومن أعظم طرق التفاف الناس حولكم وحول دعوتكم، وستفتحون الباب للأمة لعمل الخير، ولرفض الباطل، هل امرأة وزيرة بريطانية سابقة وأناس من النصارى واليهود والعلمانيون يهتمون بأمر المسلمين في غزة أكثر منكم ؟
إما أن تتحركوا وتهبوا، وإما أن نحاسبكم في الدنيا على تقصيركم، ونوقفكم يوم القيامة أمام الله تعالى، ويكون الأمر في رقابكم
أسامة الصالح