منتدى متوسطة الشهيد بوربيعة الحملاوي التعليمية
سحر البلاغة وسر البراعة  701769

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

احبتنا زوار الموقع الكرام نود اعلامكم جميعا بان المنتدى مفتوحاً للجميع
لذلك فلا تبخلوا علينا بزيارتكم والتصفح ولو بالقراءة والدعاء

لا نريد ان نجبركم على التسجيل للتصفح نريدكم فقط ان استفدتم شيئاً من الموقع بان تدعو من قلبك لصاحب الموضوع والعاملين بالموقع

ودمتم بحفظ الله ورعايته
"خير الناس أنفعهم للناس"

سحر البلاغة وسر البراعة  701769
منتدى متوسطة الشهيد بوربيعة الحملاوي التعليمية
سحر البلاغة وسر البراعة  701769

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

احبتنا زوار الموقع الكرام نود اعلامكم جميعا بان المنتدى مفتوحاً للجميع
لذلك فلا تبخلوا علينا بزيارتكم والتصفح ولو بالقراءة والدعاء

لا نريد ان نجبركم على التسجيل للتصفح نريدكم فقط ان استفدتم شيئاً من الموقع بان تدعو من قلبك لصاحب الموضوع والعاملين بالموقع

ودمتم بحفظ الله ورعايته
"خير الناس أنفعهم للناس"

سحر البلاغة وسر البراعة  701769
منتدى متوسطة الشهيد بوربيعة الحملاوي التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى متوسطة الشهيد بوربيعة الحملاوي التعليمية


 
تعليمية تربويةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولاستمع لاذاعة الجزائر
:لتحميل جريدة الشروق .......  .اظغط هنااااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  3163375  لتحميل جريدة الخبر :  :...... .اظغط هنااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615 سحر البلاغة وسر البراعة  3163373  لتحميل جريدة النهار الجزائرية :...... .اظغط هناااااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615 سحر البلاغة وسر البراعة  3163378 لتحميل جريدة الفجر الجزائرية :...... .اظغط هناااااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615 سحر البلاغة وسر البراعة  3163372 لتحميل جريدة صوت الأحرار :..... .ظغط هنااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615 لتحميل جريدة الشعب الجزائرية :..... .اظغط هناااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615  لتحميل جريدة المساء الجزائرية :....... .اظغط هناااااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615  لتحميل جريدة النصر الجزائرية :..... ..اظغط هنااااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615  لتحميل جريدة البلاد الجزائرية :..... اظغط .هناااااااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615 لتحميل جريدة أخر ساعة الجزائرية :...... .اظغط هناااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615 لتحميل جريدة الهداف الجزائرية :........ اظغط .هناااااااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615   لتحميل جريدة الشباك الجزائرية : ........ اظغط هناااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615  لتحميل جريدة الأيــــــام الجزائرية : ....... اظغط ..هناااااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615  لتحميل جريدة الجمهورية الجزائرية :........ .اظغط هنااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615 لتحميل جريدة اليوم الجزائرية :...... اظغط هنااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615 لتحميل جريدة الأمة العربية : ..... اظغط هنااااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615  لتحميل جريدة البصائر الجزائرية :....... حمل من هنااااااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615 
سحر البلاغة وسر البراعة  384615  لزيارة موقع مديرية التربية لولاية المدية اظغط هنا : اظغط هنااااااااااااااا    سحر البلاغة وسر البراعة  384615 لزيارة موقع الديوان الوطني للامتحانات و المسابقات : اظغط هنااااااااااااااااااااااا  سحر البلاغة وسر البراعة  384615    لزيارة موقع المديرية العامة للوظيفة العمومية : اظغط هناااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615  . لمعرفة رصيد حسابك ccp . اظغط هنااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615  لزيارة موقع الهيئات الرسمية كل الوزارات الجزائرية : اظغط هناااااااااااااااا سحر البلاغة وسر البراعة  384615  لزيارة الديوان الوطني للتعليم و التكوين عن البعد :  اظغط هناااااااااااااااا 

 

 سحر البلاغة وسر البراعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فؤاد نور الاسلام
كبارالشخصيات

كبارالشخصيات
فؤاد نور الاسلام


ذكر
الدولة : الجزائر
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
مبرمج
الجزائر
التقيم : 48
عدد المساهمات : 3242
نقاط : 363296946
تاريخ التسجيل : 15/10/2012

سحر البلاغة وسر البراعة  Empty
مُساهمةموضوع: سحر البلاغة وسر البراعة    سحر البلاغة وسر البراعة  I_icon_minitime06.03.13 20:25

سحر البلاغة وسر البراعة


للثعالبي
ذكر الله تعالى ورسوله وكتابه
صلى الله عليه وسلم وكتابه
مقدمات
الحمد لله تبارك وتعالى، إن أولى ما فغر به الناطق فمه، وافتتح به كلمه، حمداً لله، واجب على كل ذي مقالة أن يبدأ بالحمد قبل افتتاحها كما بديء بالنعمة قبل استحقاقها. الحمد لله كما افتتح كتابه الكريم، وفرقانه العظيم. الحمد لله شعار أهل الجنة كما قال الله تعالى: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ". حمد الله خير ما افتتح به القول واختتم، وابتدئ به الخطاب وتمم. خير كلمات الشكر ما افتتح به القرآن من الحمد لله رب العالمين.
غرر التحاميد
الحمد لله الذي لم يستفتح بأفضل من اسمه كلام، ولم يستنجح بأحسن من صنعه مرام. الحمد لله الذي جعل الحمد مستحق الحمد حتى لا انقطاع، وموجب الشكر بأقصى ما يستطاع. الحمد لله مانح الأعلاق، وفاتح الأغلاق. الحمد لله إبداء وإعادة. الحمد لله معز الحق ومديله، ومذل الباطل ومزيله. الحمد لله المبين أيده، المتين كيده. الحمد لله ذي الحجج البوالغ والنعم السوابغ والنقم الدوامغ. الحد لله معز الحق وناصره ومذل الباطل وقاصره. الحمد لله الذي أقل نعمه يستغرق أكثر الشكر والحمد لله الذي لا خير إلا منه ولا فضل إلا من لدنه.
وصف الحمد
حمد لا انقطاع لراتبه ولا إقلاع لسحائبه. حمداً يكون لإنعامه مجازياً ولإحسانه موازياً، وإن كانت آلاؤه لا تجازي، ولا توازي، ولا تباري، ولا تجاري. حمداً يتردد أنفاس الصدور ويتكرر تكرر لحظات العيون. حمداً يستنزل الرحمة ويستكشف الغمة. حمداً يبلغ الحق ويقتصيه، ويمتري المزيد ويقضيه. حمداً يؤنس وحشي النعم من الزوال، ويحرسها من التغير والانتقال.
عادة الله جل ذكره
عادة الله لا تطلب لها غاية إلا قصرت الأوهام عنها، ولا تنسخ فيها آية إلا أتي بخير منها، لا يزال الله يجرينا على أحسن عادة، ويقسم لنا أفضل سعادة. عادة من الله كريمة لا تخلف، وعدة من تفضله لا تخلف، على أحسن ما اعتيد، من إحسانه العتيد، عادة الله جميلة تفوت الشكر وتسبقه، وتستوعب الحمد وتستغرقه، عادات الله قد فاتت مرام الهمم، وشأت تواريخ الأمم.
صنع الله ولطفه
للدهر نوائب تتخرم وتتطرف، ثم إن غمراتها تتجلى وتتكشف، فلله تعالى في أثنائها الصنع الجزيل والفرج القريب، سبحان من له في كل قضية ألطاف نعرفها ونثبتها في فضله ونعمته، أو نجهلها فنردها إلى عدله وحكمته. أحمد الله الذي لا يخلي عباده من صنع لهم تنطوي عليه أثناء النكبات إذا طرقت، ولطف بهم يلين صعاب الخطوب إذا جمحت. ألطاف الله تسير إلى عباده في طرق خفية المذاهب، رقيقة الجوانب. لله مع كل لمحة صنع حفي ولطف خفي، لله ألطاف سيبلغ الكتاب فيها أجله، ويعمل الإقبال في إتمامها عمله. صنع الله لطيف، وفضله بنا مطيف.
ذكر الله تعالى في أثناء الكلام
علام الغيوب، ومن بيده أزمة القلوب، الخبير بما تجن الظمائر، وتكن السرائر، العالم بما تفضي إليه الأمور، وبخائنة الأعين وما تخفي الصدور، أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، سميع لراجيه، قريب ممن يناجيه، حكمه مقبول، وأمره مفعول، الله يعلم وهو أعلم شهيد، وأقرب للضمير من حبل الوريد، وكل خير بيديه، وتتوجه الرغبات إليه، الله الحفي بساؤله، المشفع لوسائله، الذي بيده مقاليد الأمور، ومفاتيح المقدور، الله منجز عداته، وحافظ عاداته، هو النافذ أمره، العزيز نصره، الجلي صنعه، الخفي مكره، أن الله يقضي ما يريد، وإن رغم أنف الشيطان المريد. هو السميع البصير، العالم بما يجن الضمير، من له الخلق والأمر، وسواء عنده السر والجبر، مولى الخلق، وباسط الرزق قد أحلته على ملي، وكتبت له إلى وفي، إن الله منجز وعده، ولا خلف عنده، الأمر له والخلق بيديه، والاستعانة به والتفويض إليه.
ذكر النبي محمد
صلى الله عليه وسلم
سليل أكرم نبعة، وقريع أشرف بقعة. جاء بأمته من الظلمات إلى النور، وأفاء عليهم الظل بعد الحرور. محمد نبي الله وصفوته وخيرته من بريته، مؤكد دعوته بالتأييد. ومفرد شريعته بالتأبيد، خيرة الله من خلقه. وحجته في أرضه، والهادي إلى حقه. والمنبه على حكمه، والداعي إلى رشده. والآخذ بفرضه، مبارك مولده، سعيد مورده، قاطعة حججه. سامية درجه، ساطع صباحه. متوقد مصباحه، مظفرة حروبه. ميسرة خطوبه، قد أفرد بالزعامة وحده، وحتم بأن لا نبي بعده، نفصح بشعاره على المنابر. وبالصلاة عليه في المحاضر، ونعمر بذكره صدور المساجد، وتستوي في الانقياد لأمره حالتا المقر والجاحد، آخر الأنبياء في الدنيا عصراً. وأولهم يوم الدين ذكراً، وأرجحهم عند الله ميزاناً. وأوضحهم حجة وبرهاناً، صدع بالرسالة، وبلغ في الدلالة. ونقل الناس من طاعة الشيطان الرجيم، إلى طاعة الرحمن الرحيم. أرسله الله للإسلام قمراً منيراً، وقدراً على أهل الضلال مبيراً.
الصلاة عليه مع الافصاح
صلى الله على محمد خير من افتتحت بذكره الدعوات، واستنجمت بالصلاة عليه الطلبات، صلى الله على محمد نبي مبعوث، وأفضل وارث وموروث، صلى الله على كاشف الغمة عن الأمة، الناطق فيهم بالحكمة، الصادع بالحق، الداعي إلى الصدق، محمد رسوله الذي ملكه هوادي الهدى، ودل به على ما هو خير وأبقى، صلى الله على بشير الرحمة والثواب، ونذير السطوة والعقاب، محمد الذي أدى الأمانة مخلصاً، وصدع بالرسالة مبلغاً ملخصاً، صلى الله على أتم بريته خيراً وفضلاً، وأطيبهم فرعاً وأصلاً، وأكرمهم عوداً ونجراً، وأعلاهم منصباً وفخراً.
ذكر الآل
وعلى آله الذين عظمهم توقيرا، وطهرهم تطهيرا، وعلى آله مقاليد السعادة ومفاتيحها، ومجاديح البركة ومصابيحها، أعلام الإسلام، وأمان الإيمان، الطيبين الأخيار، والطاهرين الأبرار، الذين أذهب عنهم الأرجاس، وطهرهم من الأدناس، وجعل مودتهم أجراً له على الناس، وعلى آله الذين هم حبل الهدى، وشجرة التقوى، وسفينة النجاة العظمى، وعروة الدين الوثقى، الذين هم زينة الحياة، وسفينة النجاة، وشجر الرضوان، وعشيرة الإيمان، وعلى الشجرة التي أصلها نبوة، وفرعها مروة، وأغصانها تنزيل، وورقها تأويل، وخدمها جبريل وميكائيل.
ذكر القرآن
حبل الله الممدود، وعهده المعهود، وظله العميم، وصراطه المستقيم، وحجته الكبرى، ومحجته الوضحى، هو الواضح سبيله، الراشد دليله، الذي من استضاء بمصابيحه أبصر ونجا، ومن أعرض عنها زل وهوى، فضائل القرآن، لا تستقصى في ألف قران. حجة الله وعهده، ووعيده ووعده، به يعلم الله الجاهل، ويعمل العاقل. وينتبه الساهي، ويتذكر اللاهي. بشير الثواب، ونذير العقاب، وشفاء الصدور، وجلاء الأمور. من فضائله أنه يقرأ دائباً، ويكتب ويمل فلا يمل. ما أهون الدنيا على من جعل القرآن إمامه، وتصور الموت أمامه. طوبى لمن جعل القرآن مصباح قلبه، ومفتاح لبه. من خلق القرآن حفظ ترتيبه، وحسن ترتيله.
كتاب الأزمنة والأمكنة
وما يتصل بها ويشاكلها
في الربيع وإقباله
قد أقبل الربيع بأسعد فاله، والحسن والطيب في إقباله. أقبل الربيع يتبسم، ويكاد من الحسن يتكلم. تنفس الربيع عن أنفاس الأحباب، وأعار الأرض أثواب الشباب. تنفس فنفس عن المكروب، وأهدى الروح والراحة للقلوب. استخرج من زهر البساتين، ما دفنته يد الكوانين. جاء يجر أذيال العرائس، وينشر أجنحة الطواويس. تبلج عن وجه بهج، وجو غنج، وروض أرج، وطير مزدوج. أقبل برائحة الجنان، وراحة الجنان، أسفر عن ظل سجسج، وماء سلسل وروض مدبج. جاء معيداً للأنس العازب، ومطلعاً للهو الغارب. تبلج عن نوره، وتفتح عن نوره. لاحت منهجه، وراقت مباهجه. مرحباً بالفصل، الجامع لأحكام الفضل، زائر من القلوب قريب، وكله حسن وطيب. زائر لباسه حرير، وأنفاسه عبير. انكشفت غمة الشتاء الكالح عن غرة الربيع الضاحك، أذال الربيع أذيال الحرير، وعبرت أنفاسه عن العبير. تبدل الشباب من المشيب، وبرز في مطرفه القشيب. عطر السهول والوعور، فعطل المسك والكافور. الزمان معتدل، ووجهه طلق مقتبل. وسحابه ماطر، وترابه عاطر، كأن الجنة قد نزلت إلى الأرض في أبهى حللها وأنفس حلاها، وما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين منها، قد تبرجت الأرض للنظارة، وبرزت في معرض الحسن والنضارة، لبست الأرض قناعها الأخضر، ونضت شعارها الأغبر. حاك الربيع حلل الأزهار، وصاغ حلى الأنوار.
في النسيم ووصف أثره
زائر وجهه وسيم، وفضله جسيم، وريحه نسيم، قد سفر الربيع عن خلق الكريم، ونطق بلسان النسيم. وأفاض ماء النعيم، هب النسيم من الكرى، وهب على الورى، وعطر الثرى. جر على الأرض أزره، وحل عن جيب الطيب زرره. نسيم الريح، نسيب الروح، قد ركضت خيول النسيم في ميادين الرياض. يا لك من منظر جناني، وماء فضي، ونسيم عطري، قد حلت يد المطر إزرار الأنوار، وأذاع لسان النسيم أسرار الأزهار.
في وصف الرياض
وضة رقت حواشيها، وتأنق واشيها، روضة كالعقود المنظمة، على البرود المنمنمة. روضة قد نشرت طرائف مطارفها، ولطائف زخارفها، فطوي لها الديباج الخسرواني، ونفي معها الوشي الإسكندراني. روضة قد راضتها يد المطر. روضة دبجتها أيدي الندى. أخرجت الأرض أسرارها، وأظهرت يد الغيث آثارها، واطلعت الرياض أزهارها. الرياض كالعرائس في حليها وزخارفها، والقيان في وشيها ومطارفها، باسطة زرابيها وأنماطها، ناشرة حبرها ورياطها، زاهية بحمرائها وصفرائها، تائهة بعوانها وعذرائها، كأنما احتفلت لوفد، أو هي من حبيب على وعد. روضة قد تضوعت بالأرج الطيب أرجاؤها، وتبرجت في ظلل الغمام صحراؤها، وتفاوحت بنوافج المسك أنوارها، وتعارضت بغرائب النطق أطيارها.
في وصف البساتين
بستان رق نوره النضيد، وراق ورقه النضير. بستان غصنه خضر، وربعه خصب، ونوره نضر، وماؤه خصر. بستان كأنه أنموذج الجنة. بستان لا يحل لأريب أن لا يحل به. بستان أرضه للبقل والريحان، وسماؤه للنخل والرمان. بستان أنهاره مفروزة بالأزهار، وأشجاره موقرة بالثمار، أشجار كالعذارى يسرحن الضفائر، وينشرن الغدائر. أشجار كأن الحور أعارتها قدودها، وكستها برودها، وحلتها عقودها.
في ذكر النرجس والورد والشقائق
الربيع شباب الزمان، ومقدمة الورد والريحان. زمن الورد موموق مرموق، وكأنه من الجنة مسروق. قد ورد كتاب الورد، بإقباله إلى أهل الود، إذا ورد الورد، صدر البرد، مرحباً بأشرف الزهر، في أظرف الدهر، كأن عين النرجس عين، وورقه ورق، النرجس نزهة الطرف، وظرف الظرف، وغذاء الروح، ومادة الروح، شقائق كتيجان العقيق على الزنوج، كأنها أصداغ المسك على الوجنات الموردة. شقائق كالزنوج تجارجت فسالت دماؤها، وضعفت فبقي ذماؤها.
في غناء الأطيار
الأرض زمردة والأشجار وشي، والماء سيوف والطيور قيان. قد غردت خطباء الأطيار، على منابر الأنوار والأزهار، إذا صدح الحمام، صدع قلب المستهام، أنظر إلى طرب الأشجار، لغناء الأطيار. ليس للبلابل، كخمر بابل، على غناء البلابل.
في وصف أيام الربيع
يوم سماؤه فاختيه، وأرضه طاوسية. يوم جلابيب غيومه صفاق، وأردية نسيمه رقاق، يوم معصفر السماء، ممسك الهواء، معنبر الرياض مصندل الماء. يوم سماؤه كالخز الأدكن، وأرضه كالديباج الأخضر. يوم تبسم عنه الربيع، وتبرج فيه الروض المريع. كأن سماءه مأتم، وأرضه عرس.
مقدمة المطر
لبست السماء جلبابها. سحب السحاب أذياله. احتجبت الشمس في سرادق الغيم، ولبس الجو مطرفه الأدكن. باحت الريح بأسرار الندى. ضربت خيمة الغمام، وقام خطيب الرعد، ونبض عرق البرق، سحابة رعدها يصم الأذن، وبرقها يخطف العين. سحابة ارتجزت رواعدها، وأذهبت بروقها مطاردها. نطق لسان الرعد، وخفق قلب البرق. الرعد ذو صخب، والبرق ذو لهب. ابتسم البرق عن قهقهة الرعد. زأرت أسد الرعد، ولمعت سيوف البرق. رعدت الغمائم وبرقت، وانحلت عزالى السماء فطبقت. سحابة هدرت رواعدها، وقربت أباعدها، وصدقت مواعدها. كأن البرق قلب مشوق، بين التهاب وخفوق.
في السحاب والمطر
انحل عقد السماء، وهي عقد الأنواء. انحل سلك القطر، عن در البحر. أرخت السماء عزاليها، وأغرقت الأرض وسحت نواحيها. هطلت بمثل أفواه القرب، انتثرت كانتثار العقود. استعار السحاب جفون العشاق، وأكف الأجواد. انحل خيط السماء، انقطع شريان الغمام. سحابة تنخل علينا ماء البحر، وتفض لنا عقود الدر. سحاب حكى المحب في انسكاب دموعه، والتهاب النار بين ضلوعه، سحابة تحدو من الغيوم جبالا، وتمد من الأمطار حبالا. سحابة ترسل الأمطار أمواجا، والأمواج أفواجا. تحللت عقد السماء بالديمة الهطلا. غيث أجش يروي الهضاب والآكام، ويحي النبات والسوام. غيث كغزارة فضلك، وسلاسة طبعك، وصفاء ودك. وبل كالنبل. سحابة يضحك من بكائها الروض، وتخضر من سوادها الأرض. سحابة لا تجف جفونها، ولا يخف أنينها، ديمة روت أديم الثرى، ونبهت عيون النور من الكرى. سحابة ركبت أعناق الرياح. مطر كأفواه القرب، ووحل إلى الركب. أندية قد من الله معها على البيوت، بالثبوت، وعلى السقوف، بالوقوف.
في وصف الماء وما يتصل به
ماء كالزجاج الأزرق، غدير كعين الشمس، موارد كالمبارد. ماء كلسان الشمعة، أصفى من الدمعة، يسيح في الرضراض، سيح النضناض. ماء إذا مسته يد النسيم حكى سلاسل الفضة. ماء إذا صافحته راحة الريح، لبس الدرع كالمسيح. ماء يتصندل ويتسلسل. كأن الغدير بنبات الماء مصندل مطير، بركة كأنها مرآة السماء، بركة مفروزة بالخضرة رداء، كأنها مرآة مجلوة على ديباجة خضراء، غدير ترقرقت فيه دموع السحائب، وتواترت عليه أنفاس الرياح الجنائب. غدير ساكن إلا من نسيم الصبا يحركه بأنفاسه، وينقش وجهه بأرواحه. ماء يبوح بأسراره وصفاؤه، ويلوح في قراره حصباؤه، ماء كأنما يفقده من يشهده. ماء أرق من دموعي فيك وأعذب من أخلاقك، وأبرد من فعل الزمان حين رماني بفراقك. نهر يتسلسل كالزرافين، ويرضع أولاد الرياحين.
في ذكر الصيف ووصف الحر
قوي سلطان الحر. فرش بساط الجمر. أقبلت أوائل الحر، وغير الهواء طبعه، وبدل مزاجه. حر الصيف، كحد السيف. أوقدت الشمس نارها، وأذكت أوارها. حر يلفح حر الوجه. حر يشبه قلب الصب. ويذيب دماغ الضب. هاجرة كأنها من قلوب العشاق، إذا اشتعلت فيها نار الفراق. هاجرة تحكي نار الهجر، وتذيب قلب الصخر. كأن البسيطة من وقدة الحر، بساط من الجمر. حر يهرب له الحرباء من الشمس. قد صهرت الهاجرة من الأبدان، وركبت الجنادب العيدان. حر ينضج الجلود، ويذيب الصيخود. أيام كأيام الفرقة امتداد، وحر كحر الوجد اشتداد حر لا يطيب معه عيش، ولا ينفع ثلج ولا خيش. حمارة القيظ، تغلي بصدر الغيظ، آب آب يجيش مرجله، ويثور قسطله. هاجرة كقلب المهجور، والتنور المسجور. هاجرة كالسعير الجاحم، تجر أذيال السمائم، ظلها يحموم، وماؤها محموم.
ذكر الخريف
انحسر قناع الصيف. خف سلطان الحر. خبت جمرة الهواجر. جاشت جيوش الخريف. فررت رايات المصيف، قد أخذ البرد يجمشنا بلواحظه، ويقرصنا بأنامله. أخذت عواصفه تهب، وأقبلت عقاربه تدب. قد حلت الشمس الميزان، وعدل الزمان الميزان، لفح المصيف قد كف، ووقع الشمس قد خف، خفت الرياح، وجفت الأعواد.
في الشتاء ووصف البرد والثلج والجمر
ألقى الشتاء كلكله، وأحل بنا أثقاله. مد الشتاء رواقه، وألقى أرواقه، وحل نطاقه. ضرب الشتاء بجرانه، واستقل بأركانه، أناخ بنوازله، وأرسى بكلاكله، وكلح بوجهه، وكشر عن أنيابه. في الشتاء كلب، وفي الهواء غلظ، قد عادت هامات الجبال شيبا، ولبست من الثلج ملاء قشيبا. شابت مفارق البروج، لتراكم الثلوج. ألم المشيب بهامات بيضت لممها، قد صار البرد حجابا، والثلج حجازا، برد يعبس له الوجه الطلق. برد يزوي الوجوه، ويعمش العيون، ويسيل الأنوف. برد يغير الألوان، ويقشف الأبدان. برد يقضقض الأعضاء، وينفض الأحشاء. برد أجمد الريق في الأشداق، والدمع في الآماق. حال بين الكلب وهريره، والأسد وزئيره، والطير وصفيره، والماء وخريره، نحن بين لثق ودمق وزلق.
في الاستظهار على البرد
ليس للبرد كالبرد والجمر، إذا كلب الشتا، فدرياق سمومه الصلا.
في نعت الأيام الشتوية
يوم كأن الأرض شابت لهوله. يوم فضي الجلباب، مسكي النقاب. يوم عبوس قمطرير، كشر عن ناب الزمهرير، وفرش الأرض بالقوارير. يوم أخذت الشمال زمامه، وكساه الصر ثيابه. يوم كأن الدنيا فيه كافورة. والأرض قارورة، والسماء بلورة. يوم أرضه كالقوارير اللامعة، وهوآؤه كالزنانير اللاسعة. يوم أرضه كالزجاج، وأعالي الزجاج. يوم يثقل فيه الخفيف إذا هجم، ويخف الثقيل إذا هجر.
أبواب ذكر الليل والنهار
ووصف أوقاتهما واختلاف أحوالهما، وما يتصل بهما
في ذكر اقبال الليل وانتشار الظلمة وطلوع الكواكب
أقبلت عساكر الليل، خفقت رايات الظلام، خلع الليل علينا فروته، وألبسنا الظلام بردته. تفقد الشفق، في ثوب الغسق، قيد الظلام الحاظ العيون. وستره الظلام بذيله. أقبلت وفود النجوم. جاءت مواكب الكواكب. تفتحت أزاهير النجوم. نورت حدائق الجو. أذكى الفلك مصابيحه، طفت النجوم في بحر الدجى.
ذكر الليالي المظلمة
لبس الليل جلباباً من القار، ليلة كجناح الغراب، وشعر الشباب، وحدق الحسان، وذوائب العذارى. ليلة كأنها في لباس بني العباس، كأنها في لباس الثكالى، كأنها من الغبش، موكب الحبش. ليلة يضل بها الغطاط، ولا يبصر فيها الوطواط. ليلة قد حلك إهابها، وكأن الفجر يهابها. ليلة استعارت لون الخيل الدهم، كأن الأرض مصبوغة فيها بالمداد.
في ذكر الليالي الطلقة الطيبة المشكورة
ليلة سحر كلها. ليلة كأنها نهار. ليلة من حسنات الدهر. ليلة هواؤها صحيح ونسيمها عليل. ليلة كبرد الشباب. ليلة فضية الأديم، مسكية النسيم. ليلة هي لمعة العمر، وغرة الدهر. ليلة مسكية الأديم، كافورية النجوم. ليلة رقد الدهر عنها، وطلعت سعودها، وغاب عذالها. ليلة كالمسك منظرها ومخبرها. هي ليلة باكورة العمر، وبكر الدهر. ليلة يلتقي طرفاها. ليلة ظلماتها أنوار، وطوال أوقاتها قصار. ليلة كما شاء المحب. ليلة مسروقة من الدهر، ليلة مريضة النسيم، صحيحة الهواء، موشية بالنجوم، مطرزة بالقمر.
في ضد ذلك وذكر طول الليل
ليلة من غصص الصدر، ونقم الدهر. ليلة كلها غيوم وغموم. ليلة كما شاء الحسود، وسآء الودود. ليلة كأن أول يوم الحشر آخرها. ليلة قص جناحها، وضل صباحها. ليلة كليل الأعمى. ليل ثابت الأطناب طامي الغوارب، طامح الأمواج وافي الذوائب. ليل كأن نجومه نجوم الشيب. ليل كأن نجومه عقلت فلا تسير، ولا تدور ولا تغور. ليال ليست لها أسحار، وظلمات لا تتخللها أنوار.
فيما يذكر من السهر لاعتراض الهموم والفكر
بات فلان بليلة نابغية، بات بليل السقيم، بات بليل السليم، بات في الصيف بليلة شتوية، سامرته الهموم، وعانقته الغموم، قد توسد ذراع الهم، وافترش مهاد الغم، قد اكتحل السهاد، وافترش القتاد، اكتحل بمراود الأرق، وتقلب على مراقد القلق، جفا أجفانه الكرى، كأنما خلقت عيناه للسهر، النجوم شهود سهاده، كأن النوم قد غضب على مآقيه، اكتحل بملمول السهر، وتململ على فراش الفكر، أقض مهاده، وقلق وساده، هموم تفرق بين الجنب والمهاد، وتجمع بين العين والسهاد، سهر يفتق الجفن، ويقذي العين، ويؤذي القلب، ويوحش النفس. طرف برعي النجوم مطروف، وفراش بشعار الهم محفوف، كأنه على النجوم ريب، وللظلام نقيب.
ذكر النعاس والنوم
شرب كأس النعاس، انتشى من خمر الكرى، خاط النعاس جفونه، أخذ الكرى يجشمه، بل ثقل رأس، وتقاضي نعاس، عسكر النعاس بطرفه، وخيم بين عينيه وجفنه. خاض ضحضاح الكرى، ملأ النعاس جفنه، وشغل عينه. مال مع النعاس. مس النوم مقلته. غلبته عيناه. كأن النعاس يطالبه بدين. غشيه نعاس الوحدة، ضرب على أذنه وقد ملأ عينه، غرق في لجة الكرى. تمايل من سكرة النوم. غفوة كحسوة الطآئر، نومه كلا ولا قلة، وكتصفيفة الطآئر خفة، كحل الليل الورى بالرقاد، وشامت الأجفان أعينها في الأغماد، عبث الكرى بهم، وأرخى مفاصلهم، وأمال أعناقهم.
انتصاف الليل
قد تنصفنا عمر الليل، واستغرقنا شبابه. مضى من الليل صدره، وانقضى شطره. اكتهل الظلام. شاب رأس الليل. كاد ينم النسيم بالسحر، الصبح حمل بين أحشآء الدجى.
تناهي الليل وتصرمه
انكشف غطاء الليل. انهتك ستر الدجى. رفع سجف الظلام، رق ثوب الدجى، نعى الديل الظلام، هرم الليل، وشمطت ذوائبه، وتقوس ظهره، وتصرم عمره، قوضت خيام الظلام، خلع الأفق ثوب الدجى، استرد الليل خلعته، انتقب الليل بالصبح، أعرض الظلام وتولى، وتدلى عنقود الثريا، طرز الصبح قميص الليل، باح الصباح بسره، خلع الليل ثيابه، وحدر الصبح نقابه.
إقبال الصبح وانتشار النور
لاحت تباشير الصبح، افتر الفجر عن نواجذه. ضرب الصبح في الدجى بعموده. تبسم عن نوره. فتك الصبح بالليل، بشر الديل الصبح، سل سيف الصبح في قفا الظلام. بث الصبح طلائعه. نشر ثياب النور. تبرقع وجه الليل بغرة الصبح أطار بازي النهار غراب الليل. عزلت نوافج المسك بشمامات الكافور، وانهزم جند الظلام من عسكر النور. خلعنا خلعة الظلام ولبسنا ردآء الصبح، ملأ الأذان الآذان، برق الصباح، وسطع الضوء، وطلع النور، وأشرقت الدنيا، وأضاءت الآفاق.
أفول النجوم
مالت الجوزآء للغروب، ولت مواكب الكواكب، تناثرت عقود النجوم تعطل الأفق من حلي الكواكب، تفرقت أسراب النجوم، فرت من حدق الأنام، وهي نطاق الجوزآء، وانطفأت قناديل الثريا.
طلوع الشمس وانبساط الضوء
بدا حاجب الشمس. ذر قرن الشمس. ارتفع الحجاب عن حاجبها. لمعت الشمس في أجنحة الطير. كشفت قناعها، ونشرت شعاعها. ارتفع سرادقها، وأضاءت مشارقها. انتشر جناح الضو، في أفق الجو. طنب شعاع الشمس في الآفاق، وذهب أطراف الجدران. افتضضنا عذرة الصباح.
منوع النهار
أيفع النهار وارتفع. ترجلت الشمس. استوى شباب النهار. علا روق الضحى.
انتصاف النهار
بلغت الشمس كبد السمآء، انتعل كل شيء ظله، قام قائم الهاجرة، رمت الشمس بجمرات الهجير.
اصفرار الشمس وغروبها
اصفرت غلالة الشمس، صارت كأنها الدينار، يلمع في قرار المآء، نفضت تبراً على الأصيل، وشدت رحلها للرحيل، بقل وجه النهار، وطر شاربه، تصوبت الشمس للمغيب، وتضيفت للغروب، وآذن جنبها بالوجوب، شاب النهار، وأقبل شباب الليل. وقعت الشمس للغيار، وشافه الليل لسان النهار. شرقت الشمس بروحها، جنحت للغروب، وشارفت درح الوجوب، الغزالة مصوبة للغروب، مؤذنة بالمغيب. والجو في أطمار مبهجة من أصائله، وشفوف مورسة من غلائله. استتر وجه الشمس بالنقاب، وتوارت بالحجاب.
ذكر ابتداء الليل إلى انتهائه
كان ذلك من مفتتح النهار إلى مختتمه، ومن قرنه إلى قدمه، من مطلع الفلق، إلى مجمع الغسق، فلان يركب في مقدمة الصبح، ويرجع في ساقة الشمس، من حين تفتح الشمس جفنها إلى أن تغض طرفها. من حين تسكن الطير في أوكارها، إلى أن تنزل السراة من أكوارها.
أبواب الأمكنة والأبنية في وصف البلاد
بلدة كأنها صورة جنة الخلد، منقوشة في عرض الأرض. بلدة كأن محاسن الدنيا مجموعة فيها ومحصورة في نواحيها، بلدة ترابها عبير وحصباؤها عقيق، وهواؤها نسيم وماؤها رحيق. بلدة معشوقة السكنى، رحيبة المثوى. كوكبها يقظان، وجوها عريان وحصاها جوهر، ونسيمها معطر، وترابها مسك أذفر، ويومها غداة وليلها سحر، فطعامها هني، وشرابها مري. بلدة واسعة الرقعة، طيبة البقعة. كأن محاسن الدنيا فيها مفروشة، وصورة الجنة بها منقوشة، واسطة البلاد وسرتها، ووجهها وغرتها.
في ضد ذلك
بلد متضايق الحدود والأفنية، متراكب المنازل والأبنية. بلدة حرها موذي، وماؤها موبي. بلدة وسخة السماء، ومدة الهواء. جوها غبار، وأرضها خبار، وماؤها طين، وترابها سرجين، وحيطانها نزور، وتشرينها تموز، فكم في شمسها من محترق، وفي ظلها من غرق. بلدة ضيقة الديار، سيئة الجوار، حيطانها أخصاص، وبيوتها أقفاص، وحشوشها مسابل، وطرقها مزابل.
في ذكر الوطن
بلدة هي عشه، وبها منزله وعيشه. بلد لا يؤثر عليه أبداً، ولا يصبر عنه أبداً، عشه الذي فيه درج، ومنه خرج. مقطع سرته، ومجمع أسرته، بلد أنشأته تربته، وغذاه هواؤه ورباه نسيمه، وحلت عنه التمائم فيه.
في الحصون والقلاع
حصن كأنه على مرقب النجم، ومجير من القدر الحتم. حصن يحسر دونه الناظر، ويقصر عنه العقاب الكاسر. يكاد من علاه يغرف من حوض الغمام، كأنه فوق السحاب سحاب. حصن انتطق بالجوزاء، وناجت بروجه أبراج السماء. قلعة قد حلقت في الجو كأنها سحابة، كأن الغمامة لها عمامة، كأنها تناجي السماء بأسرارها. قلعة بعد في السماء مرتقاها، حتى تساوى ثراها مع ثرياها. قلعة تتوشح بالغيوم، وتتحلى بالنجوم. أصلها في التخوم، وفرعها في النجوم. قد حلق جناحها إلى عنان النجم. شماء عن المرتقي، صماء عن الراقي. قد جاوزت الجوزاء سمتاً، وعزلت السماك الأعزل سمكا. هي في الحصانة متناهية، وبالوثقة موصوفة، ممتنعة على الطلب والطالب. منصوبة على أضيق المسالك وأوعر المناصب. لم تزدها الأيام إلا نبو أعطاف، واستصعاب جوانب وأطراف، قد مل الولاة حصارها ففارقوها عن طماح منها وشماس، وسئمت الجيوش ظلها فغادرتها بعد قنوط ويأس، فهي حمى لا يراع، ومعقل لا يستطاع. تعطس بأنف شامخ من المنعة، وتنبو بعطف جامح على الخطبة، كأن الأيام صافحتها على الإعفاء من الحوادث، والليالي قد عاهدتها على التسليم من القوارع. قلعة تحوي من الرفعة قدراً لا يستهان مواقعه، وتلوي في المنعة جيداً لا تستلان أخادعه، ليس للوهم قبل القدم إليها مسرى، ولا للفكر قبل الخطو نحوها مجرى.
في القصور
قصر كأن شرفاته بين النسر والعيوق، كأنها تسامي الفرقد. قصر يرتقى من سطحه إلى الشعريين. اكتست له الشعرى العبور، ثوب الغيور. قصر طال مبناه، وطاب مغناه، كأنه في الحصانة جبل منيع، وفي الحسن ربيع مريع شرفات كالعذارى شددن مناطقهن، وتوجن بالأكاليل مفارقهن. قصر أقرت له القصور بالقصور عنه، كأنه سحاب، في نحر السحاب
في الدور السرية
دار قوراء توسع العين قرة، والنفس مسرة، كأن بانيها استسلف الجنة فعجلت له، دار تخجل منها الدور، وتتقاصر لها القصر، إن مات صاحبها مغفوراً له فقد انتقل من جنة إلى جنة. دار قد اقترن اليمن بيمناها، واليسر بيسراها، الجسوم منها في حضر، والعيون منها على سفر. دار هي دائرة الميامن، ودارة المحاسن، دار دار بالسعد نجمها، وفاز بالحسن سهمها. دار قد أخذت أداة الجنان، وضحكت عن العبقري الحسان. دار يخدمها الدهر، ويأويها البدر، ويكنفها النصر. دار هي مرتع النواظر، ومتنفس الخواطر. دار كأنها خان، يدخلها من وفى ومن خان. صحن تسافر فيه العيون، بهو بهي، ورواق رائق، بيت فضي الحيطان، رخامي الأركان.
في الدور المتداعية الخالية
دار لبست البلى، وتعطلت من الحلى، فحالها تصف للعيون الشكوى، وتشير إلى ذم الدنيا. دار قد صارت منهم خالي، بعد ما كانت بهم حالية. دار قد أنهض الدهر سكانها، وأقعد حيطانها، شاهد اليأس منها ينطق، وحبل الرجاء فيها يقصر، وكأن عمرانها يطوى، وخرابها ينشر، أركانها قيام وقعود، وحيطانها ركع وسجود، سقفها أرض، وأرضها تل.
كتاب أحوال الإنسان
من لدن صغره نمائه، إلى كبره وانتهائه
في ذكر الصبية الصغار
صبية كالفراخ العشوش، وأولاد الخفافيش. صبية يسعهم قفيز. أولاد جلهم صبيان، أكابرهم أصاغر، كأنهم أفرخ زغب. صبيان كأنهم صئبان، وولدان كأنهم كيزان، قد أرضعته بلبانها، وحملته على لبانها. طفل قريب العهد، بالمهد.
في حسن مخايل المولود
شهدت له الفراسة رضيعا، أن لا يكون وضيعا. والمخايل فطيما، أن يكون سمحاً كريما، والشواهد صبيا، أن ينزل مكاناً عليا. والشمائل غلاما أن يكون قرماً هماما.
في ذكر الغلام الأمرد ووصف محاسنه
زاد جماله، وأقمر هلاله. ترقرق في وجهه ماء الحسن. شادن فاتن، طرفه فاتر، ونظره ساحر. غلام تأخذه العين، ويقبله القلب فترتاح له الروح. تكاد العيون تأكله، والقلوب تشربه. جرى ماء الشباب في عوده فتمايل كالغصن، واستوفى أقسام الحسن. لبس ديباجة الملاحة. كأن البدر ركب على أزراره. لا يشبع منه الناظر، ولا يروى منه الخاطر. كاد النجم يحكيه والشمس تشبهه. صورة تجلو الأبصار، وتخجل الأقمار. شادن منتقب بالبدر، مكتحل بالسحر. ما هو إلا نزهة الأبصار، وبدعة الأمصار. غمزات طرفه، تخبر عن ظرفه، ومنطقته تنطق بوصفه. وجهه قيد الأبصار، وأمد الأفكار، ونهاية الاعتبار. تخال الشمس برقعت غرته، والليل ناسب أصداغه وطرته. الحسن ما فوق أزراره، والطيب ما تحت إزاره، شادن يضحك عن الأقحوان، ويتنفس عن الريحان، كأن قده سكران من خمر طرفه، وبغداد مسروقة من حسنه وظرفه، قد أعجمت يد الجمال، نون صدغه بخال. له عينان حشو أجفانهما السحر. كأنه أعار الظبي جيده والغصن قده. والراح ريحه والورد خده، الشكل في حركاته، وجميع الحسن بعض صفاته. قد ملك أزمة القلوب، كأنما سمه الجمال بنهايته، ولحظه الفلك بعنايته، فصغه من ليله ونهاره، وحلاه بنجومه وأقماره، ونقشه ببدائع آثاره، ورمقه بنواظر سعوده، وجعله بالكمال أحد حدوده قد صبغ الحياء غلالة وجهه، ونثر لؤلؤ العرق على ورد دهن تكاد الالحاظ تسفك عن خده دم الخجل. طرة كالغسق، على غرة كالفلق، جاءنا في غلالة تنم على ما تستره، وتجفو مع رقتها عما تظهره. وجه بماء الحسن مغسول، وطرف بمرود السحر مكحول. ثغر حمي حماي الثغور، وجعل ضرة لقلائد النحور. السحر في ألحاظه، والشهد من ألفاظه. كأنه خاصم الولدان، ففارق الجنان. وهرب من رضوان. اختلس قامة الغصن، وتوشح بمطارف الحسن، وحكى الروض غب المزن، الأرض مشرقة بنور وجهه، وليل ألسرار في عيال شعره، والجنة مجتناة من قربه، وماء الجمال يترقرق في خده، ومحاسن الربيع بين سحره ونحره، والقمر فضلة من حسنه، والشمس من حملة عرشه، ما هو إلا خال في خد الظرف، وطراز على الحسن، ووردة في غصن الدهر ونقش على خاتم الملك، وشمس في فلك اللطف.
في الصدغ والشارب والعذار
زرافين أصداغه معاليق القلوب، كأن صدغه قرط من المسك على عارض البدر. وجهه عرس وصدغه مأتم، ووصل جنة وهجره جهنم. أصداغه قد أخذت شكل العقارب، وظلمت ظلم الأقارب. إن كانت عقرب صدغه تلسع، مترياق ريقه ينفع، كأن شاربه زئبر الخز الأخضر، وعذاره طراز المسك الأذفر، على الورد الأحمر، إذا تكلم تكشف حجاب الزمرد والعقيق، عن سمط الدر الأنيق، قد هم أرقم الشعر على شاربه، قد كادت يد الحسن تغلفه، كاد العذار ينقش فص وجهه، ويحرق فضة خده. طرز الجمال ديباجة وجهه، وأبان عذاره العذر في حبه. لعب الربيع بخده، وأنبت البنفسج في ورده. لما أحرقت بالشعر فضة خده، احترق سواد القلوب من حبه، كيف لا يخضر عارضه ومياه الحسن تسقيه.
وصف خروج اللحية وذمها
نسخ الشعر آية حسنه، ومحا محاسن وجهه. كسف الشعر هلاله، وأكسف باله، وأحال خياله، ومسح جماله، وانتقب بالديجور، بعد النور. دولة حسنه أعرضت، وأيامه قد انقضت استحال نور خده دجى، وزمرد خطه سبجا. أخمدت نار حسنه بعد الاتقاد. ولبس عارضاه ثوب الحداد. قد ذبل ورد خده، وتشوك زعفران خطه. فارقنا خشفا، ووافانا جلفا، فارقنا هلالاً وغزالا، وعاودنا نكالا.
نعت محاسن الجواري
هي روضة الحسن، وضرة الشمس، وبدر الأرض. هي من معاريض الفتن، وحبائل الشيطان. هي من وجهها في صباح شامس، ومن شعرها في مساء دامس، كأنها فلقة قمر، على برج فضة. كأنما لبست قشور الدر بدر التم، شمس الضحى تضيء تحت نقابها، وغصن البان يهتز تحت ثيابها، ثغرها يجمع الضريب والضرب. قد أنبت صدرها ثمر كذا قد أثمر خدها التفاح، وصدرها الرمان، خرطت لها يد الشباب حقين من عاج، كأنها البدر قد قرط بالثريا ونيط بها عقد من الجوزاء، أعلاها كالغصن ميال، وأسفلها كالدعص منهال. لها عنق كإبريق اللجين، وسرة كمدهن العاج، نطاقها مجدب، وإزارها مخصب. مطلع الشمس من وجهها، ومنبت الدر في فمها، وملقط الورد من خدها، ومنبع السحر من طرفها، ومبادي الليل في شعرها، ومغرس الغصن من قدها، ومهيل الرمل في ردفها، سرية سرية، قينة كتصحيفها. الحسن في خلقها، والطيب في خلقها.
ذكر الشاب الغض الشباب
هو في اقتبال شبابه، وحداثة أترابه، وريعان عمره، وعنفوان أمره. هو في ريان شبابه واعتداله، وريعان إقباله واقتباله، شبابه طري، وذكاؤه قوي. غصن شبابه رطيب، وبرد حداثته قشيب، بعثه على ذلك أشر الصبى، ومرح الشبيبة، وسكر الحداثة. هو بعذرة الشباب، وفراغ البال، حدث بكر الآمال، بض الجمال، حسن الاقتبال، فتي السن، رطيب الغصن. عمره في إقباله، ونشاطه في استقباله، وشبابه في اقتباله، وماؤه بحاله. فلان في حكم الأطفال، الذين لم يعضوا على نواجذ الرجال.
خلاعة الشاب وتصابيه
أطاع الشباب وغرته، وأجاب الصبى وشرته. هو في عنفوان شبيبة تخاف سقطاتها وهفواتها، ولا تؤمن جمحاتها ونزواتها، جر أزر الصبى، وأذال ذيول الهوى. هو في سكري الشباب والشراب. هو بين نزقات الشبان، ونزغات الشيطان. شبابه أعمى عن الرشد، أصم عن العذل، قد لبى داعي هواه، وانغمس في لجة صباه. قد هجم بسكر الحداثة على سكرات الحوادث، جرى إلى الصبى، جري الصبا. ركض في ميدان التصابي، وجنى ثمرات الملاهي. أنفق صباه على الفحشاء، وشبابه على الأحشاء، وأصبح بين الزق والعود، وأمسى بين موجبات الحدود. فلان غفل من سمة التجربة، صعب الرأس على لجام العظة، جامح في عذار الغفلة. هو في سلطان الصبى، وفي نوبة الأولى، قد خلع عذاره ومقوده، وألقى إلى البطالة باعه ويده. هو بين خمار الغداة وسكر العشي. فلان لا يعرف الصحو، ولا يفارق اللهو. هو بين غرر الشباب، وغرر الأحباب. فلان لا يفيق، ولا يدركه التوفيق.
في ذكر الشاب الرشيد وترشحه للمعالي
جمع نضارة الشبان إلى أبهة الشيب. هو على حدوث ميلاده، وقرب إسناده شيخ قدر وهيبة، وإن لم يكن شيخ سن وشيبه. هو بين شباب مقتبل، وعقل مكتهل. قد لبس برد شبابه على عقل كهل، ورأي جزل، ومنطق فصل. للدهر فيه مقاصد، وللأيام فيه مواعد. أرى له في ضمان الأيام، ودائع الحظوظ والأقسام، تباشير نجح، ومخايل نصر وفتح، قد استكمل قوة الفضل، ولم يتكامل له سن الكهل. ما زالت مخايله وليداً وناشئاً، وشمائله صغيراً ويافعا. نواطق بالحسنى عنه، وضوامن للنجح فيه. قد سما إلى مراتب أعيان الرجال، التي لا تدرك إلا مع الكمال والاكتهال، حمدت عزائمه، قبل أن حلت تمائمه. وشهدت مكرماته، قبل أن درج لداته.
وخط الشيب وانتشاره
شعر الشيب بشعره. عرض البياض بعارضه. نور غصن شبابه. ضحك المشيب برأسه. لاحت حلية الشيب في عذاره. لمعت نجوم الشيب في ليل شبابه. لاحت الشعرات البيض، وجعلت تفرج وتبيض. بدت في رأسه طلائع المشيب وطوالع القتير. أخذ الشيب بعنان شبابه. ذرت يد الزمان كافوراً على مسكه. مد المشيب طرازاً على وجهه، وكتب أسطراً في عارضه. طرز الشيب برد شبابه. حط المشيب بربعه، وخط القتير على فوده. لاح أقحوان الشيب في بنفسج شبابه، ألم وفد الشيب بفوده. غزاه الشيب بجيوشه، كتبت يد الشيب في فوديه، مواعظ يقرأها الأنام عليه، أقمر ليل شبابه. صاح النهار بجانب ليله. افتر له الشيب عن ناب الأسود، وأشار إليه بمخلب الأسد. قد فضض الزمان آبنوسه. اشتمل الشيب على عارضه، ألجمه الشيب بلجامه، وقاده بزمامه. سال وادي الشيب في مفرقه. اعتم بالمشيب وتلثم به. لاح نور الهموم في عارضيه. قنعه الشيب خماره، وأحل به أثقاله. علاه غبار وقائع الدهر وحكايات الزمن. أخذت الأيام من شبابه. بينما هو راقد في ليل شبابه إذ أيقظه صبح المشيب.
في الاكتهال والاحتناك والارعواء عن مجاهل الشباب
قضى باكورة الشباب، وانفق نضارة الزمان. طوى مراحل الشباب، وأنفق من عمره بغير حساب. أخلق بردة الصبي، ونهته النهى عن الهوى. جاوز الشباب مراحل، وورد من المشيب مناهل. التفت إلى الأربعين، وشارف طلاع الخمسين. طار غراب شبابه. انتهى شبابه، وشاب أترابه. استبدل بالأدهم الأبلق، وبالغداف العقعق. فل الدهر شبا شبابه، ومحا محاسن روائه. انتهى إلى أشد الكهل، واستعاض من حلك الغراب قادمة النسر، افتر عن ناب القارح، وارتفع عن مقال القادح. قرع ناجذ الحلم، وارتاض بلجام الدهر، أدرك عصر الحنكة، وأوان المسكة. جمع قوة الشباب، إلى وقار الشيب. أسفر له صبح المشيب، وعلته أبهة الكبير. خرج عن حد الحداثة، وارتفع عن عذر الغرارة. نفض غبرة الصبى، ولبى داهية الحجى. عصى شياطين الشباب، وأطاع ملائكة الشيب. سرى في طريق الرشد بمصباح الشيب. لما قام الشيب له مقام النصيح، عدل عن علائق الحداثة بتوبة نصوح.
استحكام الشيب وبلوغ الشيخوخة
الشيب زبدة مخضتها الأيام، وفضة سبكتها التجارب. في الشيب استحكام الوقار، وتناهي الجلال، وميسم التجربة، وشاهد الحنكة. الشيب مقدمة الهرم، والمؤذن بالخرف، والقائد إلى الموت. الشيب رسول المنية. الشيب عنوان الفساد. الشيب ساحل الحياة. الشيب سفينة تقرب من الساحل. صفا فلان على طول العمر. صفا التبر على مثقب الجمر. من عرف الستين أنكر نفسه. فلان قد تناهت به الأيام تحليماً وتهذيباً، وتناهت به السن تحكيماً وتجريبا. قد وعظه المشيب بوخطه وخبطه، وألسن بابنه وسبطه، قد تضاعفت وفود عمره، وأخذت الأيام من جسمه. وجد مس الكبر، ولحقه ضعف الشيخوخة، ساء عليه أثر علو السن، واعتراض الوهن. فلان من ذوي الأسنان العالية، والصحبة للأيام الخالية.
في الهرم ومشارفة الفناء
هم هرم قد أخذ الزمان من عقله، كما أخذ من عمره. ثلمه الدهر ثلم الإناء، تركه كذي الغارب المنكوب. حنا قوسه الكبر، هريق ماء شبابه، استشن أديمه، كسر الزمان جناحه. نفض الدهر مرته. طوي ما نشر منه، قيده الكبر، رسف رسفان المقيد، مجتث الجثة، كأنه عثة، ثقلت عليه الحركة، واختلفت إليه رسل المنية. ما هو إلا شمس العصر، على القصر. أركانه قد وهت، ومدته قد تناهت. هل بعد الغاية منزلة? أم بعد الشيب سوى الموت مرحلة، ما الذي يرجى ممن كان مثله في تقاصر الخطى، وتخاذل القوى، وتداني المدى، والتوجه إلى الدار الأخرى? أبعد دقة العظم، ورقة الجلد وضعف الجسم، وتخاذل الأعضاء، وتفاوت الاعتدال، والقرب من الزوال? إن الذي بقي منه ذماء ترقبه المنون بمرصد، وشلشة هي هامة اليوم أو غد. قد خلق عمره، وانطوى عيشه، وبلغ ساحل الحياة، ووقف على ثنية الوداع، وأشرف على دار المقام.
كتاب الطعام والشراب
وما ينضاف إليهما، ويقترن بهما
في الفواكه والثمار
كرم نسلفه الماء القراح، ويقضينا أمهات الراح. عنقود كالثريا. عنب كأنه مخازن البلور، وظرف النور، وأوعية السرور، وأمهات الرحيق، في مخازن العقيق. نخل نسلفه الماء، ويقضينا العسل. رطب كأنه شهدة بالعقيق مقنعة، وبالعقيان مقمعة. رمان كأنه صرر الياقوت الأحمر. سفرجل يجمع طيباً ومنظراً حسناً، كأنه زئبر الخز الأغبر، على الديباج الأصفر. تفاح نفاح، يجمع وصف العاشق الوجل، والمعشوق الخجل، له نسيم العنبر، وطعم السكر. ورسول المحب، وشبيه الحبيب. تين كأنه سفر مضمومة على العسل. مشمش كأنه الشهد في بنادق الذهب.
ذكر الجوع
لا هجوع، مع الجوع، سلطان الجوع يسيء الملكة، هو أجوع من ذئب معشش بين أعاريب، قد أثر الجوع في الأخلاط. العيون قد انقلبت، والأكباد قد التهبت. تحلبت الأفواه، توقدت الأكباد. امتدت إلى الخوان الأعناق، وأحدت نحوه الأحداق، وتحلبت له الأشداق.
وصف القدور
قد قامت خطباء القدور. فاحت القدور بأطيت من المسك الأصهب، بالعنبر الأشهب، قدور أبكار، بخواتيم النار. قدر طار عرفها، وطاب غرفها، دهماء تهدر كالفنيق، وتفوح بالمسك الفتيق.
مقدمة الطعام
أفرش طعامك اسم الله، وألحفه حمد الله. كل من الطعام ما حدث. لا يطيب حضور الخوان، إلا مع الإخوان. الأكل منا للحاجة، ومنك للمساعدة. البخل بالطعام، من أخلاق الطغام، الكريم لا يحظر تقديم ما يحضر،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فؤاد نور الاسلام
كبارالشخصيات

كبارالشخصيات
فؤاد نور الاسلام


ذكر
الدولة : الجزائر
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
مبرمج
الجزائر
التقيم : 48
عدد المساهمات : 3242
نقاط : 363296946
تاريخ التسجيل : 15/10/2012

سحر البلاغة وسر البراعة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: سحر البلاغة وسر البراعة    سحر البلاغة وسر البراعة  I_icon_minitime06.03.13 20:27

.......................يتبع ...................



وصف الموائد
مائدة كدارة البدر. مائدة تباعد بين أنفاس الجلاس، مائدة مثل عروس. مائدة نظيفة، محفوفة بكل طريفة. مائدة تشتمل على بدائع المأكولات، وغرائب الطيبات. مائدة كالعروس مجلوة، من الطيبات مملوءة. مائدة قد زخرفت رياضها، وملئت حياضها، فمن قانئ بإزائه فاقع، ومن حالك في تلقائه ناصع. مائدة كأنما عملها صناع صنعاء. مائدة تجمع بين أنوار الربيع، وأثمار الخريف.
وصف الألوان من الأطعمة
رغفان كالبدور المنطقة بالنجوم. أحسن ما يكون وجه الخوان، إذا اخضرت شوارب الرغفان. ترى البقل على وجه الخوان، كما بقلت أوجه الغلمان الحسان. جدي كأنما ندف على جنبه القز. حمل ذهبي الدثار، فضي الشعار. أطيب ما يكون الحمل، إذا حلت الشمس الحمل، حمل خلف شهرين، على الخلفين، ثم رعى شهرين، فهو شبران في شبرين، زير باجة، هي للمائدة ديباجه، تشفي السقام، ولونها السقيم. سكباجة تفيق الشهوة، وأسفيذ باجة تغذين وطباهجة يتفكه بها، وخبيص يختم بخير. مضيرة تثني على الحضارة، وتترجرج في الغضارة، وتؤذن بالسلامة، وتشهد لمعاوية بالإمامة. في قصعة يزل عنها الطرف، ويموج فيها الظرف. طباهجة من شرط الملوك، كأعراف الديوك. قلية كالعود المطرى، مغمومة تفرج غم الجائع. هريسة نفيسة، كأنها خيوط خز مشتبكة. كأنها قمر بالشمس ملتحف. كأن المري عليها عصارة المسك، على سبيكة الفضة. شواء يتقطر عرقا، ويتسايل جردابه مرقا. أرزة ملبونة، في السكر مدفونه. دجاجة مشوية لها من الفضة جسم، ومن الذهب قشر. دجاجة دينارية، ثمناً ولوناً. شواء وشراس وفالوذج رجراج. طباهجة تغذي، وفالوذجة تغذي. أسفيذباجة تصفح قفا الجوع.
في وصف ألوان من الحلواء
فالوذج بلباب البر، ولعاب النحل. كأن اللوز فيه كواكب في سماء عقيق. قطائف، فيها لطائف. عصيدة تجمع بين جنى النحل والنحل. ما الخبيص إلا نعمة مجموعة، ولذة معجونة. تؤدي طعم العافية، وتختم بحسن العاقبة. لوزينج ليلي العمر، يومي النشر، رقيق القشر، كثيف الحشو. لولبي الدهن، كوكبي اللون.
ذكر النهم الأكول
شيطان معدته رجيم، وسلطانه ظلوم، هو آكل من النار، وأشرب من الرمل. كأن في أمعائه معاوية، يأكل أكل الحوت الملتقم، والثعبان الملتهم، الليث الهاصر، والعقاب الكاسر. لو أكل الفيل لما كفاه، ولو شرب النيل لما رواه. يجوب جوب البلاد، حتى يقع على جفنة جواد. يقول بالقصاع، لا بالمصاع، يرى ركوب البريد، في حضور الثريد. أصابعه ألزم للشواء من سفود. أنامله كالشبكة، في صيد السمك. يستكثر من الجوارشات المنقدة للسدد، المقوية للمعد، المشهية للطعام، المسهلة لسبل الانهضام. إذ هو في تناولها كالكاتب الذي يقط أقلامه، والجندي الذي يصقل حسامه. تسافر يده على الخوان، وتسفر بين الألوان، وتأخذ وجوه الرغفان، وترعى أرض الجيران. لما عكفنا على الخوان، أسرع في الرغفان، وكرع في الجفان، وفقأ أعين الألوان.
في وصف مجالس الأنس وآلات اللهو
مجلس نوره در، ونارنجه ذهب، ونرجسه دينار ودرهم، ويحملها زبرجد. عندنا أترج كأنه من خلقك خلق، ومن شمائلك سرق. ونارنج ككرات من سفن ذهبت، أو ثدي أبكار خلقت. مجلس أخذت فيه الأوتار تتجاوب، والأقداح تتناوب. أعلام الأنس خافقة، وألسن الملاهي ناطقة. مجلس قد فرش بساطه وبسط أنماطه، ومد سماطه، بين آس مخضود، وورد منضود، وناي وعود. نحن بين بدور، وكاسات تدور، قد نشأت غمامة الند، على بساط الورد. مجلس قد تفتحت فيه عيون النرجس، وفاحت مجامر الأترج، وفتقت فارات النارنج، ونطقت ألسن العيدان، وقامت خطباء الأوتار، وهبت رياح الأقداح، وطلعت كواكب الندمان، وامتدت سماء الند. مجلس من رآه حسب الجنان قد اصطفيت عيونها فجمعت في قدر من الأرض، وتخيرت فصوصها فنقلت إلى مطلع الأنس واللهو. قد فض اللهو ختامه، ونشر الأنس أعلامه. قد هبت للأنس ريح سحابها الأقداح، ورعودها الأوتار، ورياضها الأقمار. قد فرغنا للهو والدهر عنا في شغل. قد اقتعدنا غارب الأنس، وجرينا في ميدان اللهو. عمدنا لقداح اللهو فأجلناها، ولمراكب السرور فامتطيناها. قد امتطينا غوارب الأفراح، وقد حنا نار السرور بالأقداح.
فيما يتصل به من الألفاظ في الاستزارة
نحن في مجلس قد أبت راحته أن تصفو إلا أن تصافحها يمناك، وأقسم غناؤه لا طاب أو تعيه أذناك، فأما خدود نارنجه فقد احمرت خجلاً لإبطائك وعيون نرجسه فقد حدقت تأميلاً للقائك، فبحياتي عليك إلا تعجلت، وما تمهلت. نحن بغيبتك كعقد قد غيبت واستطه، وشباب قد أخذت جدته. إذا غابت شمس السماء عنا، فلا بد من أن تدنو شمس الأرض منا. وأنت من ينظم به شمل الطرب، وبلقياه يبلغ إلى كل أرب. طر إلينا طيران السهم، واطلع علينا طلوع النجم. ثب إلينا وثبة الغزال، واطلع علينا طلوع الهلال، في غرة شوال. كن إلينا من السهم إلى ممره، والماء إلى مقره. جشم إلينا قدمك، واخلع علينا كرمك. إن رأيت أن تحضرنا لتتصل الواسطة بالعقد، ونحصل بقربك في جنة الخلد. إن رأيت أن تسهم لنا في قربك الذي هو قوت ألنفس، ومادة الأنس.
في الكناية عن الشراب
قد نشط لتناول ما يستمد البشر، ويشرح الصدر. قد استمطر سحاب الأنس، واستدر حلوبة السرور، وقد زند اللهو.
وصف الشراب
شراب أصفى من مودتي لك، وأحسن من نعمة الله فيك، وأطيب من إسعاف الزمان بلقائك. أصفى من البلور، ودمع الجمهور. أصفى من ماء السماء، ودمع العاشقة المر هاء. أحسن من الدنيا المقبلة، والنعم المكملة. أحسن من العافية في البدن، وأطيب من الحياة في السرور. أرق من نسيم الصبا، وعهد الصبى. أرق من دمع محب، وشكوى صب. أرق من دموع العشاق، مرتها لوعة الفراق.
في تأثيره في القوم
دبت الكأس فيهم دبيب النار في الفحم، والبرء في السقم. سارت فيهم سورة الكؤوس، ونالت منهم نشوة الخندريس. شربت الراح عقولهم، وملكت قلوبهم. تمشت الصهباء في عظامهم، وترقت إلى هامهم، وماست في أعطافهم، ومالت بأطرافهم. بلغ حداً، يوجب الحد.
فقر وغرر تليق بهذا الباب
الصاحي بين السكرى، كالحي بين الموتى، يضحك من عقلهم، ويأكل من نقلهم.
ذكر الغناء والمغني
غناؤه كالغنى بعد الفقر. غناء يبسط أسرة الوجه، ويرفع حجاب الأذن، ويأخذ بمجامع القلب، ويمتزج بأجزاء النفس. غناء يحرك النفوس، ويرقص الرؤوس. قد سمعنا غناء، يعيد الأموات أحياء، إذا غنى ودت أعضاء السامعين أن تكون آذانا. فلان طبيب القلوب والأسماع، محيي موات الخواطر والطباع. يطعم الآذان سرورا، ويقدح في القلوب نورا. القلوب من غنائه على خطر، فكيف الجيوب. كأنه خلق من كل نفس فهو يغني كلا بما يشتهيه. كل ما يغنيه مفتوح. لغنائه في القلب، موقع القطر في الجدب. نعمه نغمته تطرب، وضروب ضربه لا تضطرب.
في ذم المغني
يترنم فيتعب ولا يطرب، وليتنا وجدنا الكفاف ولكن يكرب. فلان إذا غنى عني، وإذا أدى آذى، يميت الطري، ويحي الكرب. ضربة يوجب ضربه، وسماعه يوجب الإسماع به. من عجائب غنائه أن يورد الشتاء في الضيف. بيت وسى كذا بارد النغمة مختل اليدين. ما رآه أحد في دار قوم مرتين.
في استهداء الشراب
قد تألف لي شمل إخوان كاد أن يفترق لعوز المشروب، فاعتمدنا فضلك المعهود، ووردنا بحرك المورود. أنا ومن سامحني الدهر بزيارته من إخواني وأوليائك وقوف بحيث يقف بنا اختيارك من النشاط أو الفتور، ويرتضيه لنا إيثارك من الهم أو السرور، لأن الأمر في ذلك إليك، والاعتماد في جمع شمل المسرة عليك، فإن رأيت أن تكلني إلى أولى الظنين بك فعلت. ألطف المنن موقعا، وأجلها في النفوس موضعا. ما عمر أوطان المسرة، وطرد عوارض الهم والفكرة، وجمع شمل المودة والألفة. قد انتظمت مع رفقة لي في سمط الثريا، فإن لم يحفظ علينا النظام، بإهداء المرام، عدنا كبنات نعش والسلام. فرأيك في إرواء غلتنا بما ينقعها، والتطول على جماعتنا بما يجمعها.
كتاب وصف النظم والنثر
وأصحابهما وآلاتهما وأدواتهما
وصف حسن الخط
خط يجري مجرى السحر، ويرتفع حسنه عن النعت. رأيت من خطه يواقيت في نظام، وصفحات نور عليها سطور ظلام. خط أحسن من عطفة الأصداغ، وبلاغة كالأمل آذن بالبلاغ. خط كأنه صبح منقش بظلام، كأنه ليل على صفحات نور، كأنه حديقة الأحداق. خط كالروض الممطور، والوشي المنشور، والدر المنثور. خط كما يفتح الزهر غب المطر، كأنه خطوط الغوالي، في خدود الغواني. خط أملح من بنفسج الخط، وأحسن من الدر في السمط. خط أخذ من الطواويس ظهورها، ومن البزاة صدورها. خط كالتبر المسبوك، والوشي المحوك. خط أملح من صولجان المسك، في ميدان الورد، أحسن من بدور الغرر، في ليالي الطرر، فلان يغرس الدر في أرض القراطيس، وينشر عليها أجنحة الطواويس. كأن يده تنشر وشيا، أو تنظم درا. كأنه مطرز بالظلام رداء الصباح. خط كأن القلب يشعر منه نورا، والعين تجني نورا. خط يبهر الطرف، ويفوت الوصف. خط كالرياض، والمقل المراض، والإقبال بعد الإعراض. أمتعت طرفي ما شئت بمحاسن خطه ولفظه، وأخذت منهما بأوفر قسط المستفيد وحظه. تحيرت بين ظلام وصباح، وعقد ووشاح. خطه خطة الحسن.
في سرعة الكتابة
يده ضرة البرق، وقلمه فلكي الجري. يده ظئر البلاغة، وأم الكتابة، وضرة الريح، وينبوع الفضل. كأن يده على القرطاس جناح طائر في سراب مائر. فلان أنامله الرياح، وخواطره البحار. فلان سريع البنان، بديع البيان. لا يحبس عنان قلمه، أو ينثر الدر في كلمه. قلمه يهيم على وجهه، غادراً رأسه في درجه. أخف من حسوة طائر، ولمعة بارق، وخلسة سارق.
وصف النثر بما يشتمل عليه من الألفاظ والمعاني
ألفاظ كغمزات الألحاظ، ومعان كأنها فك عان. ألفاظ كما نورت الأشجار، ومعان كما تنفست الأسحار. ألفاظ قد استعارت حلاوة العتاب، بين الأحباب، واسترقت تشاكي العشاق، يوم الفراق. حسبت ألفاظه در السحاب، أو أصفى قطراً وديمة، ومعانيه در السحاب، بل أوفى قدراً وقيمة. كلام قريب شاسع، ومطمع مانع. كالشمس تقرب ضياء، وتبعد علاء، وكالماء يرخص موجودا، ويغلو مفقودا. كلام يصعب على التعاطي، ويسهل على الفطنة. كلام لا تمجه الآذان، ولا يبليه الزمان. ألفاظ كالبشرى مسموعة، وأزاهير الرياض مجموعة، ومعان كأنفاس الرياح، تعبق بالريحان والراح. كلام مستهل متسلسل كالمدام بماء الغمام، يقرب إذنه على الأفهام. ملح كنوافذ السحر، وفقر كالغنى بعد الفقر. كلام كبرد الشرراب، على أكباد الحرار، وبرد الشباب، في خلع العذار. كلام كثير العيون، سلس المتون رقيق الحواشي، سلس النواحي. كلام هو السحر الحلال، والماء الزلال، والبرود والحبر، والأمثال والعبر، والنعيم الحاضر، والشباب الناضر. نظرت منه إلى صورة الظرف بحتا، وسورة البلاغة سبكاً نحتا. ألفاظ هي خدع الدهر وعقد السحر. ألفاظ تسر المخزون، وتسهل الحزون، وتعطل الدر المخزون. كلام بعيد من الكلف، نقي من الكلف. كلام كما تنفس السحر عن نسيمه، وتبسم الدر عن نظيمه. ألفاظ تأنق الخاطر في تذهيبها، ومعان عني الطبع بتهذيبها. ألفاظ حسبتها في رقتها منسوخة من صحيفة الصبى، وظننتها لسلامتها مكتوبة عن إملاء الهوى. كلام كالبشرى بالولد الكريم، قرع بها سمع الشيخ العقيم. كلام قرب حتى أطمع، وبعد حتى امتنع، ودنا حتى صار قاب قوسين أو أدنى، ثم سما حتى صار بالمنظر الأعلى. كلام حسن الديباجة، صافي الزجاجة، رقيق المزاج، حلو المساغ، نقي السمك، مقبول اللفظ، قرأت جليا، حوى معنى خفيا، وكلاماً قريباً، رمى غرضاً بعيداً. لو أن كلاماً أذيب به صخر، أو أطفئ به جمر، أو عوفي به مريض، أو جبر به مهيض، لكان هذا. كلامه يقود سامعيه إلى السجود، ويجري في القلوب كجري الماء في العود. فلان ألفاظه أنوار، ومعانيه ثمار. كلامه أنس المقيم الحاضر، وزاد الراحل المسافر. كلام تسعى إليه الفور، وينتفض إليه العصفور. كلام يقضي حق البيان، ويملك رق الحسن والإحسان. كلام منه يجتنى الدر، وبه يعقد السحر، وعنده يعتب الدهر، وله يشرح الصدر. كلام يقرب جناه، ويبعد مداه، ويؤنس مسمعه، ويؤنس مصنعه.
ذكر البلاغة والبلغاء
ليست البلاغة أن يطال عنان القلم أو سنانه، ويبسط رهان القول أو ميدانه، بل هو أن يبلغ أمد المراد، بألفاظ أعيان ومعان أفراد، من حيث لا مزيد على الحاجة، ولا إخلال يفضي إلى الفاقة. البلاغة ميدان لا يقطع إلا بسوابق الأذهان، ولا يسلك إلا ببصائر البيان. فلان يعبث بالكلام، ويقوده بألين زمام، حتى كأن الألفاظ تتحاسد في التسابق إلى خواطره، والمعاني تتغاير في الانثيال على أنامله. فلان مشرفي المشرق، وصيرفي المنطق، البيان أصغر صفاته، والبلاغة عفو خطراته. كأنه أوحي بالتوفيق إلى صدره، وحبس الصواب بين طبعه وفكره. فلان يحز مفاصل الكلام، ويسبق فيها إلى درك المرام، كأنما جمع الكلام حوله حتى انتقى منه وانتخب، وتناول منه ما طلب، وترك بعد ذلك أذناباً لا رؤوساً، وأجساداً لا نفوساً. فلان لا يبلغ المعنى ويرضى بعفو الطبع، ويقنع بما يخف على السمع. يوجز فلا يخل، ويطنب فلا يمل. لله فلان أخذ بأزمة القول يقودها كيف أراد ويجذبها أنى شاء، فلا يعصيه بين الصعب والذلول، ولا يسلمه عند الحزون والسهول. كلام يشتد مرة حتى تقول الصخر الأملس، ويلين تارة حتى تقول الماء أو أسلس. يقول، فيصول، ويجيب، فيصيب، ويكتب فيطبق المفصل؛ وينسق الدر المفصل. يرد مشارع الكلام وهي صافية لم تطرق، وجامة لم ترنق.
في سرعة الخاطر ونفاذ الطبع
خاطرة البرق أو أسرع لمعا، والسيف أو أحد قطعا، والماء أو أسلس جريا، والفلك أو أقوم هديا. هو من يسهل الكلام على لفظه، وتتزاحم المعاني على طبعه، فيتناول المرمى البعيد بقريب سعي، ويستنبط المشروع العميق بيسير جري. كلامه عفو اللسان، وفيض اليد، ومساوقة القلم، ومسابقة اليد للفم، وجمرات الجدة، وثمرات المدة، ومجاراة الخاطر للناظر، ومباراة الطبع للسمع.
زلاقة اللسان والفصاحة
لسانه يغيض البحور. ويفلق الصخور. ويسمع الصم، ويستنزل العصم. خطيب لا تناله حبسة، ولا ترتهنه لكنة، ولا تتمشى في خطابه رتة، ولا تتسلط على حواره فترة، ولا يتحيف بيانة عجمة، ولا تعترض لسانه عقدة. فلان رقيق الأسلة، عذب العذبة. لو وضع لسانه على الشعر حلقه، أو على الصخر فلقه، أو على الجمر أحرقه، أو على الصفا خرقه. أما ترى فلاناً ولسنه? وكيف يجر في الفصاحة رسنه. كأن لسانه ثعبان ينساب بين رمال، أو ماء يتغلغل بين جبال. كأن لسانه مخراق لاعب، أو غرار سيف قاضب. قد أحسن السفارة، واستوفى العبارة، وأدى الألفاظ واستغرق الاغراض، وأصاب شواكل المراد، وطبق مفاصل السداد. لسانه كلسان ابن الحمرة، أو سنان عنترة.
ذكر الاطناب
بسط عنان الخطاب، ومد أطناب الإطناب، وطلب الأمد في الإسهاب. قال حتى قال الكلام لو أعفيت، وكتب حتى قالت الأقلام قد أحفيت. قد أتسع به مشرع الإطناب، وانفرج مسلك الإسهاب، أرسل لسانه في ميدانه، وأرخى من عنانه. نفض ما في رأسه، وفرغ جعبة وسواسه. تصرفت في كذا فأطلت وأطبت، وقلت فأطنبت. قال فأطال، وجال في بسط المقال كل مجال. إذا اسحنفر في الكلام طفح آذيه، وسال أتيه، انثال عليه الكلام، انثيال الغمام، واستجاب له الخطاب، ولا صوب الرباب.
وصف النثر والنظم معاً
نثر كنثر الورد، ونظم كنظم العقد. نثر كالسحر أو أدق، ونظم كالماء أو أرق. رسالة كالروضة الأنيقة، وقصيدة كالمخدرة الرشيقة. رسالة تقطر ظرفاً، وقصيدة تمزج بها الراح لطفاً. نثره سحر البيان، ونظمه قطع الجنان. نثر كما تفتح الزهر، ونظم كما تنفس السحر. نثر ترق نواحيه وحواشيه، ونظم تسحر ألفاظه ومعانيه. نثر كالحديقة تفتحت أحداق وردها، ونظم كالخريدة توردت أشجار نهدها. رسالة تضحك عن زهر وغرر، وقصيدة تنطوي على حبر ودرر، لم ترض في برك بأخوات النثرة من نثرك، حتى وصلتها ببنات الشعرى من شعرك. كلام كما هب نسيم السحر على صفحات الزهر، ولذ طعم الكرى بعد برح السهر، وشعر في نفسه شاعر، توسم به المواسم والمشاعر. كلام أنسى حلاوة الأولاد بحلاوته، وطلاوة الربيع بطلاوته، شعر من حلة الشباب مسروق، ومن طينة الوصال مخلوق.
وصف لشعر
قصيدة في فنها فريدة. قصيدة أخلصت على قصد، وفريدة أتت من فرد. هي صوب العقول، تغبر في نواصي الفحول. عروس كستها القوافي، وحلتها المعاني. شعر يترقرق فيه ماء الطبع، ويرتفع له حجاب القلب والسمع. شعر ملكني العجب به، وبهرني التعجب منه. شعر لا مزية الإيجاز أخطأته، ولا فضيلة الإعجاز تخطته. شعر رويته، لما رأيته، وحفظته، لما لحظته. أبيات لو جعلت خلعة على الزمان لتحلى بها مكاثراً، أو تجلى فيها مفاخراً. راقني الشعر حتى شاقني، فإنه مع قرب لفظه بعيد المرام، مستمر النظام. قوي الأسر، صافي النحر. قد ألبس من البداوة فصاحتها، وغشى من الحضارة سجاحتها، فإن شئت قلت عبيد ولبيد، وإن شئت قلت حبيب ووليد. شعر يختلط بأجزاء النفس لنفاسته، ويكاد يعين كاتبه من سلاسته. قصيدته تجتنى بالأفكار، ونقل يتناول بالأسماع والأبصار، ونقل العلم والأدب، ألذ من نقل المأكل والمشرب. وفاكهة الكلام، أطيب من فاكهة الطعام. نظم كنظم الجمان، وروض الجنان، وأمن الفؤاد، وطيب الرقاد. لم أر غيرها بكراً استوفت أقسام الحنكة، واستكملت أحكام الدربه، فعليها رونق الشباب، ولها قوة المذكيات الصلاب. روح الشعر، وتاج الدهر. مقدمة عساكر السحر. كل بيت شعر، خير من بيت تبر. شعر يحكم له بالإعجاز والتبريز، ويشبه في صفاء سبكه بالذهب الإبريز. شعر تأتلف القلوب على درره ائتلافا، وتصير الآذان لها أصدافا.
وصف الشعراء
لله دره ما أحلى شعره، وأنقى دره، وأصفى قطره، وأعجب أمره. قد أخذ برقاب القوافي، وملك رق المعاني. فضله برهان حق، وشعره لسان صدق. أجمع أهل جلدته، على أنه معجز بلدته. فلان يغرب، بما يجلب، ويدع بما يبضع. حسن السبك، محكم الرصف، بديع الوصف. مرغوب في شعره، متنافس في سحره. فلان ضارب في قول الشعر بأعلى السهام، آخذ من عيون الفضل بأوفى الأقسام. ماء أشعار وطيتها، وكنز القوافي ومدينتها. شعاره، أشعاره، ودابه، آدابه. فلان ممن يبتده فيبتدع. فلان يجمع بين الإسراع، والإبداع. طبعه يمل عليه، ما لا يمل الاستماع إليه. قريحة غير قريحة، وطبع غير طبع، وخيم غير وخيم. لبيد عنده بليد، وعبيد وأقرانه له عبيد. الفرزدق عنده أقل من فرزدقة خمير، وجرير، يقاد إليه بجرير. قد نسج حللاً لا يلي جدتها الجديدان، ولا تزداد حسناً إلا على مرور الزمان.
في نعت الشعر السائر
نظمه قد نظم حاشيتي البر والبحر، وناحيتي الشرق والغرب. أشعاره قد وردت المياه، وركبت الأفواه، وسارت في البلاد، ولم تسر بزاد، وطارت في الآفاق، ولم تمش على ساق. شعره أسير من الأمثال، وأسرى من الخيال. سار مسير الرياح، وطار بغير جناح. أشعار سارت مسير الشمس وهبت هبوب الريح، فطبقت تخوم الأرض، وانتظمت الشرق إلى الغرب. قد كادت الأيام تنشدها، والليالي تحفظها والجن تدرسها، والطير تتغنى بها.
في ذكر شعر الأكابر والملوك
قرأت الأبيات التي أسفر عنها طبع المجد فعلمت كيف يتكسر الزهر على صفحات الحدائق، وكيف يغرس الدر في رياض المهارق. شعر قد احتبس جريه على فكره، ووقف كيف شاء عند أمره. شعر يعلق في كعبة المجد، ويتوج به مفرق الدهر. جاءت القصيدة ومعها غرة الملك، وعليها رواء الصدق، وفيها سيما العلم، وعندها لسان المجد، ولها صيال الحق، لا غرو إذا فاض بحر العلم على لسان الشعر أن ينتج ما لا عين وقعت على مثله، ولا أذن سمعت بشبهه. شعر يكتب في غرة الدهر، ويشدخ في جبهتي الشمس والبدر.
وصف الكتب البليغة الغزيرة وحسن موقعها
كتاب كتب لي أماناً من الدهر، وهناني أيام العمر. كتاب أوجب من الاعتداد، أوفر الأعداد، وأودع بياض الوداد، سواد الفؤاد. كتاب الظفر به نعيم، والنظر فيه فتح عظيم. كتاب ارتحت لعيانه، واهتززت لعنوانه. كتاب هو من كتب الميامين، التي تأتي من قبل اليمين. كتاب عددته من حجول العمر وغرره، واعتددته من فرص العيش وغرره. كتاب آنس مسموعاً وملحوظاً، وكاد مودعه يكون مدروساً ومحفوظاً. كتاب هو أنفس طالع، وأكرم متطلع، وأحسن واقع. كتاب لو قرئ على الحجارة لانفجرت، أو على الكواكب لانتثرت. كتاب كدت أبليه طياً ونشرا، وقبلته ألفاً ويد حامله عشرا. كتاب نسيت لحسنه الروض والزهر، وغفرت للزمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر. كتاب قد أملته مزية المجد على بنانك، ونطق به لسان الفضل على لسانك، أما النقط على كل حرف نذيرة أناملك بحقه، وآخذ من كل سطر تتجشم تخطيطه نزهة. كذا إذا قرأت من خطك حرفا، وجدت على قلبي خفا، وإذا تأملت من كلامك لفظا، ازددت من أنسي حظا.
تشبيهات هذه الكتب
كتاب كتب لي أماناً من الزمان، وتوقيع وقع عندي موقع الماء من العطشان. كتاب هو تعلة المسافر، وأنسة المستوحش، وزبدة الوصال، وعقلة المستوفز. كتاب هو رقية القلب السليم، وغرة العيش البهيم. كتاب هو سمر بلا سهر، وصفو بلا كدر. كتاب تمتعت منه بالنعيم الأبيض، والعيش الأخضر، واستلمته استلام الحجر الأسود، وكلت طرفي من سطوره بوشي مهلل، وتاج مكلل، وأودعت سمعي من بدائعه ما أنساني سماع الأغاني، من مطربات الغواني. نشأت سحابة من روضك غيمها نعمة سابغة، وغيثها حكمة بالغة. سقت روضة القلب، وقد جهدتها يد الجدب، فاهتزت وربت، واكتست مما اكتسبت. كتاب حسبته ساقطاً إلي من السماء اهتزازاً لمطلعه، وابتهاجاً بحسن موقعه. تناولته كما يتناول الكتاب المرقوم، وفضضته كما يفض الرحيق المختوم. كتاب كالمشرق شرق به المسير وقميص يوسف جاء به البشير. هو في الحسن روضة حزن، بل جنة عدن، وفي شرح النفس، وبسط الأنس، برد الأكباد والقلوب، وقميص يوسف في أجفان يعقوب. وقد أهديت إلي محاسن الدنيا مجموعة في ورقه، ومباهج الحلل والحلي محصورة في طبقه. كتاب ألصقته بالقلب والكبد، وشممته شم الولد. ورد منه المسك ذكيا، والزهر جنيا، والماء مريا، والعيش هنيا، والسحر بابليا. كتاب مطلعه مطلع أهلة الأعياد، وموقعه موقع نيل المراد.
وصف قصر الكتب
كتاب وجدته قصير العمر، كليالي الوصل بعد الهجر. لم أبدأ به حتى استكمل، وقارب الآخر الأول. كتاب منتقص الأطراف، متقطع الأكناف، أبتر الجوارح، مضطرب الجوانح. كأنه تعريض متحرز، أو توقيع مبرز. كتاب يلتقي طرفاه، ويتقارب مفتتحه ومنتهاه. كتاب اتفق طرفاه صغرا، واجتمعت حاشيتاه قصرا، ما أظنني ابتدأته، حتى ختمته، ولا افتتحته حتى استتمته، ولا لمحته، حتى استوفيته، ولا نشرته، حتى طويته، وأحسبني لو لم أجود ضبطه ولم ألزم يدي حفظه لطار حتى يختلط بالجو فلا أرى منه إلا هباء منثورا، وهواء منشورا. كتاب حسبته يطير من يدي لخفته، ويلطف عن حسي لقلته. عجبت كيف لم تحتمله الرياح قبل وصوله إلي، وكيف لم يختلط بالهواء عند حصوله لدي. كتاب قص الاقتصار أجنحته فلم يدع قوادم ولا خوافي، وأخذ الاختصار جدته فلم يبق ألفاظاً ولا معاني، كتابك كإيماء بطرف، أو وحي بكف، لم أفتتحه حتى استوفيته ولا نشرته حتى طويته.
في ذم الخط والقلم
خطه مضطرب الحروف، متضاعف الضعف والتحريف. خط ممجمج، ولفظ ملجلج. خط سقيم، وخاطر عقيم. خط مجنون، لا يدري ألف أم نون، وسطور، فيها شطور. خط يقذي العين، ويشجي الصدر. خط منحط، كأرجل البط، على الشط، وأنامل السرطان، على الحيطان، قلمه لا يستجيب بريه، والمداد لا يساعد جريه. قلم كالولد العاق والأخ المشاق إذا أدرته استطال، وإذا قومه مال، وإذا بعثته وقف، وإذا وقفته انحرف. قلم أحدل الشق، مضطرب الشق. متفاوت البري، معدوم الجري. محرف القط، مثبج الخط. قلم لم يقلم ظفره فهو يخدش القرطاس، وينفش الأنفاس، ويأخذ بالأنفاس. فلم لا ينبعث إذا بعثته، ولا يقف إن وقفته. قد وقف اضطراب بريه، دون استمرار جريه، واقتطع تفاوت قطه، عن تجويد خطه.
في ذم الكلام
كلام تنبو عن قبوله الطباع، وتتجافى عن استماعه الأسماع. ألفاظ تنبو عنها الآذان فتمجها، وتنكرها الطباع فتزجها. كلام لا يرفع السمع له حجاباً، ولا يفتح القلب لوفده باباً. كلام يصدي الريان، ويصدئ الأذهان. كلام قد تعمل فيه حتى تبدل، وتكلف، حتى تعسف. طبع جاسي، ولفظ قاسي. لا مساغ له في سمع، ولا وصول له مع خلو ذرع. كلام لا الروية فيه ضربت بسهم، ولا الفكرة أجالت فيه بقدح، كلام تتعثر الأسماع من حزونته، وتتحير الأفهام في وعورته. كلمات ضعيفة الاتفاق، قليلة الأعيان، مضمحلة على الأمتحان. ألفاظ تستعار من الرباجي، ومعان تقد من الأثافي. كلام كأنه ثمر قطف قبل أوانه، وشراب نزل دنه قبل إبانه. كلام بمثله يتسلى الأخرس عن بكمه، ويفرح الأصم بصممه. بمثل ذلك الكلام رزق الصمت المحبة، وأعطي الإنصات الفضيلة. كلام أملس المتون. قليل العيون. أثقل من الجندل، وأمر من الحنظل. لفظ أخلاط، فلا يدركه استنباط، ولا يفسره بقراط. لفظه هذيان المحموم، وسوداء المهموم. كلام رث ومعنى غث. لا طائل فيهما، ولا حلاوة عليهما.
في ذم الكاتب
الخرس أحسن من كلامه، والعي أبلغ من بيانه. خاطره ينبو، وقلمه يكبو، يسهو ويغلط، ويخطي ويسقط. هو في الأدب، دعي النسب، ضيق المضطرب، سيء المنقلب. قصير باع الكتابة، قاصر سعي البلاغة. كتبه مضطربة الألفاظ، متفاوتة الأبعاض، منتشرة الأوضاع، متباينة الاغراض. الجلم، أولى بكفه من القلم، والطاس، أليق بها من القرطاس.
في الشاعر والشعر
أبيات ليست من محكم الشعر وحكمه، ولا من أحرار الكلام وغرره. شعر لا حلاوة فيه ولا طلاوة. شعر ضعيف الصنعه، رديء الصيغة، بغيض الصبغة. قد جمع بين إقواء وإبطاء، وإخطاء وإبطاء. ما قطع شعرة، ولا سقى قطرة. لو شعر بالنقيض ما شعر. فلان لا يميز بين خبيث القول وطيبه، ولا يفرق بين بكره وثيبه. فلان منقاد لساذج الكلام يستعمله، نفور من بديعه يهمله. شاعر بارد العبارة، ثقيل الاستعارة، بغيض الإشارة. هو من بين الشعراء، منبوذ بالعراء. لم يلبس شعره حلة الحلاوة. شعر لا يطيب درسه، ولا يخف سرده.
?أوصاف أدوات الكتاب وآلات الكتاب الدواة من أنفع الأدوات. هي للكتابة عتاد، وللخاطر زناد. غدير لا يرده غير الأفهام، ولا يمتح بغير أرشية الأقلام. أنيقة الصبغة. رشيقة الصيغة. مسكية الجلدة، كافورية الحلية. غدير تفيض ينابيع الحكمة من أقطاره، وتنشأ سحب البلاغة من قراره. دواة تداوي مرض عفاتك، وتدوي قلوب عداتك، على مرفع يؤذن بدوام رفعتك، وارتفاع النوائب عن ساحتك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فؤاد نور الاسلام
كبارالشخصيات

كبارالشخصيات
فؤاد نور الاسلام


ذكر
الدولة : الجزائر
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
مبرمج
الجزائر
التقيم : 48
عدد المساهمات : 3242
نقاط : 363296946
تاريخ التسجيل : 15/10/2012

سحر البلاغة وسر البراعة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: سحر البلاغة وسر البراعة    سحر البلاغة وسر البراعة  I_icon_minitime06.03.13 20:28

..................يتبع ...................


في نعت المداد
مداد كسواد العين، وسويداء القلب. مداد كجناح الغداف ولعاب الليل، وألوان دهم الخيل. مداد ناسب خافية الغراب، واستعار لونه شعر الشباب. مداد هو أبهى لدي من ألف فرس بهيم، وأشهى إلي من ملك الأقاليم.
في نعت القلم
أقلام جمة المحاسن، بعيدة عن المطاعن. تعاصي الكاسر المعاصر، فتمانع الغامز القاصر. صلبة المعاجم، لدنة المقاطع. أنابيب ناسبت رماح الخط في أجناسها، وساكنت أسود الغيل في أخياسها، وشاكلت الذهب في ألوانها، وضاهت الحرير في لمعانها، كأنها الأميال استواء، والآجال مضاء. بطية الحفى، قوية القوى. لا يشظيها القط، ولا يتشعت بها الخط. أقلام ثجرية موشية الليط، رائقة التخطيط، كل معتدل الكعوب، قوي الأنبوب. باسق الفروع، روي الينبوع. هو أولى باليد من البنان، وآنس بخفي السر من اللسان. هو للأنامل مطية، وعلى الكتابة معونة مرضية. نعم النجدة القلم. يقلم أظافير الدهر، فيملك الأقاليم بالنهي والأمر. إن أردت كان مسجوناً لا يمل الإسار، وإن شئت كان جواداً لا يعرف العثار. لا ينبو إذا نبت الصفاح، ولا يحجم إذا أحجمت اللقاح. القلم مطية تمشي براكبها رهوا، وتكسو الأنامل زهوا.
في نعت السكين
سكين كأن القدر سائقها، والأجل سابقها. مرهفة الصدر، مخطفة الخصر. يجول عليها فرند العتق، ويترقرق فيها ماء الجوهر. كأن المنية تبرق من حدها، والأجل يلمع في متنها. ركبت على نصاب أبنوس، كأن الحدق نفضت عليه صبغها، وحب القلوب كسته لباسها. أخذ لها حديدها الناصع بحظ من الروم، وضرب لها نصابها الحالك بسهم من الزنج. فكأنها ليل من تحت نهار، أو فحم أبدى سنا نار، ذات غرار ماض، وذباب قاض، ومنسر بازي، وجوهر هوائي، ونصاب زنجي، إن أرضيت ولت متناً كالدهان، وإن أسخطت اتقت بناب الأفعوان. سكين أحسن من التلاق، وأقطع من الفراق. تفعل فعل الأعداء، وتنفع نفع الأصدقاء. هي أمضى من القضاء المبرم، وأنفذ من القدر المتاح، وأقطع من ظبة الحسام، وألمع من البرق في الغمام. جمعت حسن المنظر، وكرم المخبر، فتملكت عنان القلب والبصر، ولم يحوجها عتق الجوهر، إلى إمهاء الحجر.
كتاب الممادح والأثنية
وما يجري مجراها، ويأخذ مأخذها
المدح بشرف الأصل وكرم النسب
فلان من سر العنصر الكريم، ومعدن الشرف الصميم. أصل راسخ، وفرع شامخ، ومجد باذخ، وحسب شادخ. طيب العنصر والمركب، كريم المنصب والمنتسب. فلان كريم الطرفين، شريف الجانبين. قد ركب الله دوحته في قرارة المجد، وغرس نبعته في محل الفضل. أصل شريف، وعرق كريم، ومغرس عظيم، ومغرز صميم. المجد لسان أوصافه، والشرف نسب أسلافه. نسب فخم، وشرف ضخم. يستوفي شرف الأرومة، بكرم الأبوة والأمومة. ما أتته المحاسن عن كلالة، ولا ظفر بالهدى عن ضلالة، بل تناول المجد كابراً عن كابر، وأخذ الفخر بين أسرة ومنابر، واكتسب الشرف على الأصاغر والأكابر.
ما يختص من ذلك بأبناء النبوة
استقى عرقه من منبع النبوة، ورضعت شجرته من ثدي الرسالة، وتهدلت أغصانه عن نبعة الإمامة، وتبحبحت أطرافه في عرصة الشرف والسيادة، وتفقأت بيضته عن سلالة الطهارة. قد جذب القرآن بضبعه، وشق الوحي عن بصره وسمعه، مختار من أكرم المناسب. منتخب من أشرف العناصر. مرتضى من أعلى المحاتد. مؤثر من أعظم العشائر. قد ورث جامعاً عن جامع، وشهد له نداء الصوامع. هو من مضر في سويداء قلبها، ومن هاشم في سواد طرفها، ومن الرسالة في مهبط وحيها، ومن الإمامة في موقف عزها.
في المدح يجمع بين شرفي الأصل والنفس وفضلي الإنتساب والإكتساب
فلان ينزع إلى المحامد بنفس وعرق، ويحن إلى المكارم بوراثة وخلق، يتناسب أصله وفرعه، ويتناصف نجره وطبعه. هو الطيب أصله وفرعه، الزكي بذره وزرعة يجمع إلى عز النصاب، مزية الآداب. لا غرو أن يجري الجواد على عرقه، وتلوح مخايل الليث في شبله، ويكون النحيب فرعاً مشيداً لأصله، له مع نباهة شرفه نزاهة ظلفه، ومع كرم أرومته وجذمه، مزية أدبه وعلمه. لن تخلف ثمرة غرس ارتيد له من المنابت أزكاها، ومن المغارس أطيبها وأغذاها، عصبة خيرة فضلها زاهر وشرفها على شرف النماء. وشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. قد جمع شرف الأخلاق، إلى شرف الأعراق، وكرم الآداب، إلى كرم الأنساب. له في المجد أول وآخر، وفي الفضل قديم وحديث، وفي الكرم تليد وطريف. ليس كل من شرف عرقه، شرف خلقه. ولا كل عود طاب منجمه، طاب معجمه. ولا غرو أن يغمر فضله وهو نجل الصيد الأكارم، أو يغزر علمه وهو فيض البحور الخضارم. دوحة ضرب عرقها وسمق فرعها، وطاب عودها، واعتدل عمودها، وتفيأت ظلالها، وتهدلت ثمارها، وتفرعت أغصانها، وبرد مقيلها.
المجد والشرف والعلى
مجد يلحظ الجوزاء من عال، ويطول النجوم كل مطال. شرف تضع له الأفلاك خدودها وجباهها، وتلثم النجوم أرضه أفواهها وشفاهها. نسب المجد به عريق، وروض الشرف به أنيق، ولسان الثناء بفضله نطوق. مجد يشير إليه النجم الثاقب، وشرف تحفظ طرفيه المناقب. فلك المجد عليه يدور، ويد العلى إليه تشير، يأنس ربع المجد إذا استوحش من استيلاء النقص، ويسكن إليه جأش الفضل. سما من المجد إلى رواسي الأعلام، حين رضي بمواطئ الأقدام، محله سامق، ومجده باسق، وشرفه نجم طارق.
الجود والكرم
فلان رفيق الجود وخليله، وزميل الكرم ونزيله، غرة الدهر وتحجيله، مواهبه الأنواء، وصدره الدهناء. بحر لا يظمأ وارده، ولا يمنع بارده. غوثه موقوف على اللهيف، وعونه مبذول للضعيف. يطغى جوده على وجوده، وهمته على قدرته. يوجب الصلات، كوجوب الصلاة. بابه غير مرتج، لكل مرتج. ينابيع الجود تتفجر من أنامله، وربيع السماح يضحك عن فواضله. هو أوحد في الكرم، وغرة في وجه العالم. هو الكرم أنشيء نفسا، والفضل تمثل شخصا. لو أن البحر مدده، والسحاب يده، والجبال ذهبه، لقصرت عما يهبه. إن طلبت كريماً في جوده، مت قبل وجوده، أو ماجداً في أخلاقه. مت ولم ألاقه، صدره بحر ووعده نذر، قد حكم الآمال في أمواله، واستعبد الأحرار بفعاله. يهتز عند المكارم كالغصن، ويثبت عند الشدائد كالركن. يد حاتم كبنانه من شماله. لا يبلغ كعب في الجود كعبه. له في كل مكرمة غرة الأوضاح، وقادمة الجناح. كريم ملء لباسه، موفق مر أنفاسه. صدره تضيق عنه الدهناء، وتفزع إليه الدهماء. لا مكارم إلا ما صدر عن خلائقه، ولا مناجح إلا ما شيم من بوارقه. غمائم كرمه تفيض، ومآثر جوده تستفيض. يرى تحمل المغارم، من أعظم المغانم. مخلوق من طينة كريمة، ومجبول على أحسن شيمة. خوار العنان في ميدان المكارم.
الجمال وحسن الصورة
قمري التصوير، شمسي التأثير. خلقة سوية صحيحة، وصورة مقبولة صبيحة. منظر يملأ العين، ويملك النفوس. منظر ما أحوجه إلى عيب يصرف عين كماله، عن جماله. طلعة يطلع منها النيران، ويسجد لها الثقلان. مبرقع الغرة بالجمال، مسفر الطلعة بتباشير الإقبال. للعيون في محاسن وجهه مرتع، وللأرواح بها مستمتع. خلق وضي وخلق رضي، وفضل مضي.
البشر والبشاشة
طلعة عليها للبشاشة ديباجة خسروانية، وفيها للطلاقة روضة ربيعية. غرة يجول فيها ماء الكرم، وتقرأ منها صحيفة حسن الشيم. وجه كأن بشرته قشر البشر، ومواجهته أمان من الدهر. فلان يصل ببشره، قبل أن يصل ببره، ويحيي القلوب بلقائه، قبل أن يميت الفقر بعطائه. شمت من وجهه بارقة المجد، ورأيت في بشره تباشير النجح. قد لحظت من وجهه الأنوار، ومن بنانه الأنواء. أنا من كرم عشرته، وطلاقة أسرته، في روضة وغدير، بل في جنة وحرير.
العلم والأدب
هو بحر من العلم ممدود بسبعة أبحر، ويومه في الأدب كعمر سبعة أنسر. العلم حشو ثيابه، والأدب ملء إهابه، هو شخص الأدب ماثلا، ولسان العلم قائلا. شجرة فضل عودها أدب، وأغصانها علم، وثمرتها عقل، وعروقها شرف. تسقيها سماء الحرية، وتغذيها أرض المروة. هم ملح الأرض إذا فسدت، وعمارة الدنيا إذا خربت، ومعرض الأنام إذا احتشدت. هم جمال الأيام، وخواص الأنام، وفرسان الكلام، وفلاسفة الإسلام. فلان غصن طبعة نضير، وليس له بحمد الله نظير. قد جمع الحفظ الغزير، والفهم الصحيح، والأدب القوي القويم. ما يؤنسه عن الوحشة إلا الدفاتر، ولا تصحبه في الوحدة إلا المحابر. همه مهرة فكرة يستفيدها، وشرود من الكلم يصيدها، فلان يحل دقائق الأشكال، ويزيل معترض الإشكال.
حسن الخلق
خلق لو مزج به البحر لنفى ملوحته، وصفى كدورته. خلق كنسيم الأسحار، على صفحات الأنوار. خلق كالماء صفاء، والمسك ذكاء. أخلاق قد جمعت المروءة أطرافها، وحرست الحرية أكنافها. أخلاق تجمع الهواء المتفرقة على محبته، وتؤلف الآراء المتشتتة في مودته. أخلاق أعذب من ماء الغمام، وأحلى من ريق النحل، وأطيب من زمن الورد. أخلاق أحسن من الدر والعقيان في نحور الحسان، أزكى من حركات الريح بين الورد والريحان.
الظرف واللباقة وحسن العشرة
فلان يستحط العصم بظرفه، ويستنزل النجم بلطفه. ما هو إلا غذاء الحبرة، ونسيم العيش، وقوت النفس، ومادة الأنس، وشمامة الظرفاء، وريحانة الندماء. فلان حلو المذاق، عذب المساغ، أعلى الناس في جد وأحلاهم في هزل. يتصرف مع القلوب، كتصرف السحاب من الجنوب. ذو جد كعلو الجد، وهزل كحديقة الورد. قد طابت عشرته إذا عاشرته، ولانت قشرته، وواصلته فاستحسنت وصاله، وأحمدت خصاله. له عشرة ماؤها يقطر، وصحوها من الغضارة يمطر. هو ريحانة على القدح، وذريعة إلى الفرح. عشرته ألطف من ريح نسيم الشمال، على أديم الماء الزلال، وألصق بالقلب، من علائق الحب. إن أردت فهو سبحة ناسك، أو أحببت فهو تفاحة فائك، أو اقترحت فهو مدرعة راهب، أو آثرت فهو تحية شارب.
طيب الخبر
فلان أخباره ذكية، وآثاره زكية. أخباره تأتينا كما وشت بالمسك رياه، ونم على الصبح محياه. قد انتشر من طيب أخباره ما زاد على المسك الفتيق، وأوفى على الزهر الأنيق. مناقب تشدخ في جبينها غرة الصباح، ويتهادى أنباءها وفود الرياح. فلان أخباره آثاره، وعينه فراره. قد حصل له من حميد الذكر، وجميل النشر، ما لا تزال الرواة تدرسه، والتواريخ تحرسه. سألت عن أخباره فكأني خرجت المسك فتيقا، وصبحت الروض أنيقا. أحببته بالخبر، قبل الأثر، وبالوصف، قبل الكشف. أخباره متضوعة كتضوع المسك الأذفر، ومشرقة إشراق الفجر الأنور. أخباره أرجة، وصفحاته بهجة.
حسن العهد وكرم الود
هو من يثقل ميزان وده، ويحصف ميثاق عهده. فلان كريم العهد، صحيح العقد. سليم الصدر في الود، حميد الصدر فيه والورد. هو لإخوانه عدة يشدهم ويقويهم، ونور يسعى بين أيديهم. هو ثابت ركن الإخاء، صافي شرب الوفاء. حافظ على الغيب ما يحفظه على اللقاء. هو من لا تدور المداهنة في عرصات قلبه، ولا تحوم المواربة على جنبات صدره. فلان يسري إلى كرم العهد، في ضياء من الرشد. عهده نقش على صخر، ووده نسب ملآن من فخر. يقبل من إخوانه العفو، كما يوليهم من إحسانه الصفو. في وده غنى للطالب، وكفاية للراغب، ومراد للصحب، وزاد للركب. هو في حبل الوفاء حاطب، وعلى فرض الإخاء مواظب.
إصابة الرأي
النجح معقود بنواصي آرائه، واليمن معتاد في مذاهب أنحائه. له الرأي الثاقب الذي تخفى مكائده، وتظهر عوائده، والتدبير النافذ الذي تنجح مباديه، وتبهج تواليه. رأي كالسهم أصاب غرة الهدف، ودهاء كالبحر في بعد الغور وقرب المغترف. لا يضع رأيه إلا مواضع الإصابة، ولا يصرف تدبيره إلا إلى مواقع السداد والأصالة. له فكر عميق، ورأي وثيق. يعرف من مبادئ الأفعال، خواتم الأعمال، ومن صدور الأمور، أعجاز ما في الصدور. رويته رأي طبيب، وبديهته قدر مصيب. يسافر رأيه وهو دان لم ينزح، ويسير تدبيره وهو ثاو لم يبرح. له رأي لا يخطيء شاكلة الصواب، ولا يخشى عليه بادرة العثار. فلا يخمر الرأي ويجيله، ويجيد الفكر ويطيله، حتى يحصل على لب الصواب ومحض الرأي. إذا أذكى سراج الفكر أضاء الظلام. هو قطب الصواب تدور به الأمور، ومستنبط صلاح يرد إليه التدبير، يرى العواقب في مرآة عقله، وبصيرة ذكائه وفضله. رأي يرد السيف مثلما، والرمح مقلما. آراؤه سكاكين في مفاصل الخطوب. له رأي لا تغيب كواكبه. رأي طبيب داء المملكة. رأي منير، وللأعداء مبير. كأنه ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق، ويطالعه بعين الإلهام والتوفيق. فلان يرى بأول رأيه آخر الأمر، وأصاب شاكلة الصواب في رأي محضه، وتدبير مخضه. عجباً لرأيه الذي يستنبط دفائن القلوب، ويستخرج ودائع الغيوب. قد سرينا من مشورته في ضياء ساطع، ومن رأيه الصواب في حكم قاطع.
التجربة والحنكة
قد وضعت كثرة التجارب في يده مرآة العواقب. قد نجدته مصارف الدهور، وحنكته مصائر الأمور. قد أرضعته الحنكة بابانها، وأدبته الدربة في إبانها. فلان بازل، التجارب حنكته، والأيام عركته. لا تكاد الأيام تريه من أفعاله عجيبا، أو تسمعه من أحواله غريبا. فلان عارف بتدبير الزمان، عالم بتصاريف الأيام. آخذ ببرهان التبريز، نافذ في مجا التحصيل والتمييز. قد صحب الأيام، وتولى النقض والإبرام. هو ابن الدهر حنكة وتجريبا، وعوداً على الغمز صليبا. قد أدبه الليل والنهار، ودارت على رأسه الأدوار، واختلفت به الأطوار. قد ارتضع أفاويق الزمان وحلب أخلاف الليالي والأيام. قد ركب ظهري البر والبحر. ولقي وفدي الخير والشر، وصافح صفحتي النفع والضر، وبلا طعمي الحلو والمر، ورضع ضرعي العرف والنكر، وضرب إبطي العسر واليسر.
في الهمة العالية
له همة على هامة النجم. فلان رفيع مناط الهمة. فسيح مجال الفضل. له همة تعزل السماك الأعزل سموا، وتجر ذيلها على المجرة علوا. همة حلق جناحها إلى عنان النجم، وامتد صباحها من شرق إلى غرب. لا يتعاظمه انتزاف البحر إذا أخطره بفكره، ولا انتساف الصخر إذا ألقاه في وهمه. همته أبعد من مناط الفرقد، وأعلى من منكب الجوزاء، وأوسع من الأرضن، ذات العرض.
الشهامة والنفاذ والجد والجلادة
فلان حي القلب، منشرح الصدر. ذكي الذهن، سجاح الطبع. ليس بالنؤوم، ولا السؤوم. فذ فرد، وأسد ورد. كأن له في كل جارحة قلبا، كأن قلبه عين، وكأن حسه سمع. شهاب مقدم، وقدح مقوم مشدود النطاق، قائم على ساق. لا يجف لبده، ولا يستريح قلمه، ولا تسكن حركته. قد جد واجتهد، وحشر وحشد. شمر عن ساق الجد ما أطاق، وشد له النطاق. قد ركب الصعب والذلول، وتجشم الحزون والسهول، وقطع البر والبحر، وأعمل السيف والرمح، وأسرج الدهم والشهب.
التقى والزهد
فلان عذب المشرب، عف المطلب. نقي الساحة من المآثم، بريء الذمة من الجرائم. إذا رضي لم يقل غير الصدق، وإذا سخط لم يتجاوز جانب الحق. يتبع أفضل الطرق، وأرشد الخلق. يرجع إلى نفس أمارة بالخير، بعيدة من الشر، مدلولة على سبل البر. أعرض عن زبرج الدنيا وخدعها، وأقبل على اكتساب نعم الأخرى ومتعها. كف عن زخرف الدنيا ونضرتها، وغض طرفه عن متاعها وزهرتها، وأعرض عنها وقد عرضت له بزينتها، وصد عنها وقد تصدت له في حليتها. فلان ليس ممن يقف في ظل الطمع، فيسف إلى حضيض التضع. نقي جيبه، وسلم غيبه، ولم يدنس ذيله، واستوى في النزاهة نهاره وليله. فلان جلي الصفحة، نقي الصحيفة، عف الإزار، طاهر من الأوزار. قد عاد لإصلاح المعاد، بإعداد الزاد. اعتزل الدنيا وأفرج عن كل ما زاد على الزاد المبلغ، والقوت المقنع.
الكمال والانفراد عن النظراء
فلان مولود في طالع الكمال، وهو جملة الجمال. قد أصبح عين الكمال، وصبح المحافل، وزين المحاضر والمجالس. فريد دهره، وشمس عصره، وزينة مصره. فلان علم الفضل، وواسطة قلادة الدهر، ونادرة الفلك، ونكتة الدنيا، وغرة العصر. قد بايعته يد المجد، ومالت فيه الشورى إلى النص. كيف يذم زمان هو عينه البصيرة، ولمعته الثاقبة المنيرة.
التفضيل والترجيع
فلان يزيد عليهم زيادة الشمس على البدر، والبحر على القصر. هو رائش نبلهم، وبقية فضلهم. وجمة وردهم، وواسطة عقدهم. هو صدرهم وبدرهم، ومن عليه يدور أمرهم. ينيف عليهم إنافة صفحة الشمس على كرة الأرض، كأنهم فلك هو قطبه، وجسد هو قلبه، ومملوك هو ربه. هو مشهور بسيادتهم، وواسطة قلادتهم. هو بيت القصيدة، وأول الجريدة، وعين الكتيبة، وواسطة القلادة، وإنسان الحدقة، ودرة التاج، ونقش الفص. موضعه من أهل الفضل، موضع الواسطة من العقد، وليل التم من الشهر، كلا بل ليلة القدر إلى مطلع الفجر.
ما يليق ببعض هذه المدائح من حكاية أفعال المحسنين، وحسن آثار المنعمين والألفاظ التي تقع في الشكر، ونشر البر
ذكر الأفضال والأنعام والإحسان والاصطناع
أفضل وأنعم، وأسدى في الإحسان وألحم، وأسرج في الإكرام وألجم. قسم له من إحسانه ما يسع أمما، ويلقي السعادة أمما. أهدى إليه من كرائم البر ما لا يساق مهوره إلا من كرائم النفوس ومخايل الصدور. أعطاه عنان الاهتمام، حتى استولى على قصب المرام. رد عنه الدهر أحص الجناح، وملكه مقادة النجاح. أولاه من معهود البر ومألوفه، ما يربى على مئيه وألوفه. أولاه إسعافاً سمحاً، وعطاءً سحاً، ومنناً صفوا، وعفواً عفوا. أفاض عليه شعاب البر ومساليه، وجمع له شعوب الجميل وقبائله. هطلت عليه سحائب عنايته، ورفرفت حوله أجنحة رعايته، قد فكه بكرمه من قيد السؤال، ومعرة الاختلال. راشه بعد ما حصه الفقر، وأرضاه وقد أسخطه الدهر، وربما نمنا أملاء الجفون، وسهر دوننا لتحقيق الظنون. قد شمت من كرمه أصدق سحاب، وحصلت من إنعامه في أخصب جناب. قد سد ثلمة حالي، وأدر حلوبة مالي.
حسن آثار المنعم
ما أخلو من طل إحسانه ووابله، وعام إنعامه وقابله. قد استمطرت بنوء غزير، وسريت منه في ضو قمر منير. لم يرض بأول السقيا حتى أتى الانسكاب بعد القطر، وطلعت الشمس في أعقاب الفجر. قد كرعت من بره في مشاريع تغزر، ولا تنزر، ورفلت من طوله في ملابس تطول ولا تقصر. أنا منه في ظل ظليل، وفضل جزيل، وريح بليل، ونسيم عليل، وماء روي، ومهاد وطي، وكن كنين، ومكان مكين. أنا آوي إلى ظله كما يأوي الصيد إلى الحرم، وأواجه منه وجه المجد وصورة الكرم. أنا من إنعامه بين خير مستفيض، وجاه عريض، ونعم بيض. قد استظهرت على جور الأيام بعدله، واستترت من دهري بظله. جميع ما أردد فيه طرفي وأعدده من خاص ملكي منتسب إلى عطائه، أو مكتسب بجميل رأيه. مسافة بصري تبعد إن سافرت بها في مواهبه، وركائب فكري تطلح إن أنضيتها في استقراء صنائعه. جمالي مقرون بجماله، وحالي قطعة من حاله.
وصف النعم
نعمة عممت الأمم، وسبقت النعم، وكشفت الهموم ورفعت الهمم. نعمة قد سطع صباحها مستنيرا، وطنب شعاعها مستطيرا. قد غرقتني نعمه حتى استنفدت شكر لساني ويدي وأثقلت ظهري، وتملأت صدري. نعمة عندي مشرقة الجو، مغدقة النو، نيرة الضوء. تتابعت نعمه تتابع القطر، على البلد القفر، وترادفت مننه ترادف الغنى إلى ذي الفقر. نعمة أشرقت لها أراضي، ومطر بها روضي، ووري بها زندي، وعلا معها جدي، وأتاني الزمان يعتذر من إساءته بي، وجاءني الدهر ينتظر أمري. نعمة أنعمت البال، وقوت النفس والحال. نعمة تعم عموم المطر، وتزيد عليه إفراد النفع والضرر. نعم تضعف الخواطر عن التماحها، وتصغر القرائح عن اقترحها.
وصف الأيادي والمنن
له مع كل صباح يد كالصباح أو أشد وضوحاً، وكالنهار أو أصدق ظهورا. قد عمت الآفاق، ووسمت الأعناق. أياد قد حبست الشكر واستعبدت لك الحر. منن توالت توالي القطر، واتسعت سعة البحر، وأثقلت كاهل العبد والحر. عندي قلادة منتظمة قد جعلتها وقفاً على نحور الأيام وجلوتها على أبصار الأنام. أياد يقصر عن عفوها جهد القول، وتزهر بينها سواطه الإنعام والطول. أياديه أطواق في أجياد الأحرار، وأفلاك تدور على ذوي الأخطار. منن تضعف لحملها عواتق الأطواد، ويتضاعف حملها على السبع الشداد. لو تحمل الثقلان، ثقل هذا الامتنان، لأثقل كواهلهم وأضعف عواتقهم. أياد يفرض الشكر لها ويحتم، ويفتح الذكر بها ويختم. أياد تثقل الكاهل، ومنن تتعب الأنامل. منن تضعف متن الشكر، وتنشر معها قوى البشر. منن هي أحسن أثراً من الغيث في أزاهير الربيع، وأحلى موقعاً من الأمن عند الخائف المروع.
ذكر وفورها وكثرتها
منن لا تحصى، أو تحصى الحصى، إذا اطمعت نفسي في تعداد مننه وحصرها، فأطمعتها في إحصاء السحائب وقطرها. أياد لا تحصى حتى تحصى محاسن النجوم، ومنن لا تحصر أو تحصر قطارات الغيوم، وذلك معوز عمر النسور، باق إلى يوم النشور. أياد كعدد الرمل والنمل أعيت على العد، ولم تقف على حد. زادت أياديه حتى كادت تجهد الإعتداد. وتسبق الاعداد أياديه عندي أغزر من قطر المطر، وعوارفه أسرع من لمح البصر.
التشريف والتنويه
رفعه من قعر التراب، إلى سمك السحاب. استنبطه من حضيض الذلة، وأنهضه من محط الدناءة والضعة. جذب بضبعه من أخس مطارح الأتباع، وأخفض منازل الرعاع، إلى أعلى المنازل، وأرفع المراتب. استنبطه من الحضيض الأوهد، إلى البناء الأمجد. قد نبهه عن خمول، وأخرى الماء في عوده بعد ذبول. رقاه إلى ذروة المجد تزل أقدام النجوم لو وطئتها، وتقصر همم الأفلاك إن طلبتها. ثبت قدمه في المحل المنيف، ومكنه من جوامع التشريف. جذب بضبعه من المسقط المنحط، إلى المرفع المشتط. رفع خسيسته، وجبر نقيضته.
ذكر الشكر
الشكر ترجمان النية، ولسان الطوية، وشاهد الإخلاص، وعنوان الاختصاص. الشكر نسيم النعم، وهو السبب إلى الزيادة، والطريق إلى السعادة. الشكر قيد النعمة، ومفتاح المزيد، وثمن الجنة. من شكر قليلا استحق جزيلا. شكر المولى، هو الأولى. أشكر لمن أنعم عليك، وأنعم على شكرك. الشكر قيد النعم وشكالها وعقالها، وهي مشبهة بالوحش التي لا تقيم مع الإيحاش، ولا تريم مع الإيناس. موقع الشكر من النعمة موقع القرى من الضيف، إن وجده لم يرم، وإن فقده لم يقم. الشكر غرس إذا أودع سمع الكريم أثمر الزيادة، وحفظ العادة، الشاكر يعرض المزيد البالغ والنعيم السابغ.
?العجز عن الشكر لتكاثر الأنعام والبر
عندي من يده ما ملك الاعتداد أزمته، وقبض أمراء الكلام وأئمته. عندي له مبار أعجزني شكرها، كما أعوزني حصرها. شكره شأو بعيد لا تبلغه أشواطي، ولا أتلافي التفريط في حقه بإفراطي. إحسانه يعيد العرب عجما، والفصحاء بكما. إذا سلم المرء مقراً بالعجز فقد خرج عن تبعة التقصير، وبريء من عهدة المعاذير. قد زحمني من مكارمه ما يحصر المبين، ويصحبه العجز وبئس القرين، عندي من إنعامه، وخاص بره وعامه. ما يستغرق منة الشكر،ويستنفد قوة النشر. لو استعرت الدهر لسانا، واتخذت الريح ترجماناً، ليشيعا شكر إنعامه حق الإشاعة، لقصرت بهما يد الاستطاعة.
حسن الافصاح عن الشكر والثناء
شكره شكر الأسير لمن أطلقه، والمملوك لمن أعتقه. شكره شكر البلد القفر، لألمامة القطر. أثنى عليه ثناء الروض الممحل، على الغيث المسبل. أثنى عليه ثناء لسان الزهر، على راحة المطر. أثنى عليه ثناء العطشان الوارد، على الزلال البارد. شكره شكر الروض للديم، وزهير لهرم. بسط لسان الثناء والدعاء، وبلغ عنان الشكر عنان السماء. شكراً ترتاح له المكارم، وتهتز له المواسم. لأشكرنه شكراً تتسع أنواعه، وتنبسط أبواعه، ويلذ ذكره وسماعه. شكر ملء القلب واللسان، وكشكر حسان لآل غسان. أطال عنان الشكر وفسح مجاله، ورفع أعمدته، ومد أروقته. شكر كأنفاس الأحباب أو أنفاس الأسحار، بل أنفاس الرياض غب الأمطار. فلان يتلو فضائلك تلاوة القرآن، ويسرد محامدك سرد الفرقان.
دلالة الحال على ما وراءها
لو سكت الشاكر، لنطقت المآثر، ولو صمت المخاطب، لأثنت الحقائب. لقد شهدت شواهد حاله، على صدق مقاله، أما تفضله فقد نطقت به جوارحي، ولوسكت لأثنيت حقائبي، لئن جحدت ما أولانيه، وكندت ما أعطانيه، نطقت آثاره أياديه علي، ولمعت أعلام عوارفه لدي. جوارحي انطق بالشكر من ألسنة خطباء إياد، وشعراء مراد.
أدعية تليق بهذه الأحوال بهذا الباب
أطال الله له البقاء، كطول يده بالعطاء، ومد له في العمر، كامتداد ظله على الحر. أدام الله له المواهب، كما أفاض به الرغائب، وحرس لديه الفواضل، كما عوذ به البر الشامل. تولى الله عني مكافاته، وأعان على الخير نياته، وأصحب بقاءه عزاً يبسط يديه لأوليائه، وعلى أعدائه، وكلأه تذب عن ودائع مننه عنده، وزاد في نعمه وإن عظمت، وبلغه آماله وإن انفسحت. لا زال الفضل يأوي منه إلى ركن منيع، وجناب مريع. لا زالت الألسن عليه بالثناء ناطقة، والقلوب على مودته متطابقة، والشهادات له بالفضل متناسقة. لا زال يعطف على الصادر والوارد، عطف الهم والوالد. أبقاه الله للجميل يعلي معالمه، ويحيي مكارمه، ويعمر مدارجه، ويثمر نتائجه. أدام الله أيامه التي هي أيام الفضائل ومواقيتها، وأزمان المآثر وتواريخها. أدام الله له المواهب، سامية الذوائب. موفية على منية الراجي وبغية الطالب. أبقاه الله للعطاء يفضه بين خدمه، والجمال يفيضه على إنشاء نعمه. والله يتابع له أيام العلاء والغبطة، والنماء والبسطة، لترتع أنواع الخدم في رياض مواهبه، وتكرع أصناف الحشم في حياض فواضله، والله يبقيه طويل الذراع، مديد الباع، ملياً بالإفضال والاصطناع. جزاه الله عن نعمه هناها، بعد أن أسبغها، وعارفة ملاها، بعد أن سوغها. أفضل ما جزي به مبتدي إحسان، ومحيي إنسان. لا زال مكانه معاناً للنعم لا تريمه المواهب، ولا ترومه النوائب. بسط الله بالعلاء يده، وقرن بالسعادة جده، وجعل خير يوميه غده، ولا زالت الأيام والليالي مطاياه إلى أمانيه وآماله، وصرف الله صروف الغير عن إصابة إقباله وكماله.
أخر كتاب المدائح والأثنية، ولله الحمد والمنة
كتاب المساوئ والمقابح وما يدانيها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فؤاد نور الاسلام
كبارالشخصيات

كبارالشخصيات
فؤاد نور الاسلام


ذكر
الدولة : الجزائر
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
مبرمج
الجزائر
التقيم : 48
عدد المساهمات : 3242
نقاط : 363296946
تاريخ التسجيل : 15/10/2012

سحر البلاغة وسر البراعة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: سحر البلاغة وسر البراعة    سحر البلاغة وسر البراعة  I_icon_minitime06.03.13 20:30

........................يتبع ...............

اللؤم والخسة
فلان عصارة لؤم، في قرارة خبث. ألأم مهجة، في أسقط جثة. حديث النعمة، خبيث الطعمة. هو كالكمأة لا أصل ثابت، ولا فرع نابت، فلان خبيث المركب، لئيم المكتسب. يكاد من لؤمه يعدي من جلس إلى جنبه، أو تسمى باسمه. فلان قد أرضع بلبان اللؤم، وربي في حجر الشر والشؤم، وفطم عن ثدي الخير، ونشأ في عرصة الخبث. قد طلق الكرم ثلاثاً ولم ينطق فيه استثناء، واعتق المجد بتاتاً لم يستوجب عليه ولاء. فلان أتى من اللؤم بنادر لم تهتد له فطنة مادر. فلان قصير الشبر، صغير القدر، قاصر القدر، ضيق الصدر. لو قذف الليل بلومه، لطمس أنوار نجومه رد إلى قيمة مثله في خبث أصله وفرط جهله. فلان لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
في البخل
سائله محروم، وماله مكتوم. لا يجيز إنفاقه، ولا يحل خناقه. خبزه كالأروى يسمع بها ولا ترى. خبزه في حالق، وأدمه في ساهق. غناه فقر، ومطبخه قفر. يملأ بكنه والجار جائع، ويحفظ ماله والعرض ضائع. قد أطاع سلطان البخل بجهده، وانخرط كيف شاء في سلكه. فلان لا يبض حجره، ولا يثمر شجره. ما هو إلا حجر لا يروي، وزند لا يوري. فلان لا يحلب إلا من ضرع بكي، ولا يسقى إلا من أنضب ركي. قد جعل ميزانه وكيله، وأسنانه أكيله، وكيسه، أنيسه، ورغيفة، أليفه، ويمينه، أمينه، ودرهمه شقيقه، ومفتاحه رفيقه، وخاتمه، خادمه، وصناديقه، صديقه.
القبح والدمامة والحقارة
وجه كهول المطلع، وزوال النعمة، وقضاء السوء، وموت الفجأة، ما هو إلا قذى العين، وشجى الصدر، وأذى القلب، وحمى الروح. وجه كأنه تبرقع بالحنادس، واكتسى قشور الخنافس. كأن النحس تطلع من جبهته، والخل يقطر من وجنته. وجه مسترق بالحسن، منتقب بالقبح. وجهه طلعة الهجر، ولفظه قطع الصخر. وجهه يشق على العين، وكلامه لا يسوغ في الأذنين. وجه كحضور الغريم وحصول الرقيب، وكتاب العزل وفراق الحبيب. خلقة الشيطان، وعقل الصبيان، قد لا يزيد فيه القيام. بيدق الشطرنج في القيمة والقامة. له من الدينار قصره، ومن الورد صفرته، ومن السحاب ظلمته، ومن الأسد نكهته.
الثقل والبغض والبرد
فلان ثقيل الطلعة، بغيض التفصيل والجملة. بارد السكون والحركة، قد خرج عن حد الاعتدال، وذهب ذات اليمين وذات الشمال، يحكي ثقل الحديث العاد، ويمشي على العيون والأكباد. لا أدري كيف لم تحمل الأمانة أرض حملته، وكيف اجتاحت إلى الجبال بعد ما أقلته. كأن وجهه أيام المصائب، وليالي النوائب، وكأنما قربه فقد الحبائب، وسوء العواقب، وكأنما وصله عدم الحياة، وموت الفجأة، وكأنما هجره قوت المنة، وريح الجنة. يا عجبي من جسم كالخيال، وروح كالجبال، كأنه ثقل الدين، على وجع العين. ما الحمام على الإصرار، ومواصلة الصوم في الأسفار، وحلول الدين على الإقتار، بأثقل من لقاء فلان. هو ثقيل السكون بغيض الحركة، كثير الشؤم قليل البركة. هو بين الجفن والعين قذاة، وبين النعل والأخمص حصاة. ما هو إلا غداة الفراق، وكتاب الطلاق، وموت الحبيب، وطلوع الرقيب. ما هو إلا الأربعاء الأخير في الصفر، والكابوس في وقت السحر. هو أثقل من خراج بلا غلة، ودواء بلا علة، وأبغض من مثل غير سائر، وأبرد من خشيف على خشيوم ميزاب، وأجمع للعيوب من بغل أبي دلامة، وحمار طياب، وطيلسان ابن حرب.
البخر وترك التنظف
لا يدري أفسا أن تنفس، وأحدث أم حدث. مدخل أكله أخبث من مخرج ثقله. لا فرق بين مجشاه، ومفساه، أنتن من هدهد ميت مكفن، في جورب عفن. مالي أرى الآباط حاشنة، والآناف معشبة، والعيون منورة، والأزرار مرعى، والأظفار حمى، واللحى لبودا، والأسنان خضراً وسودا.
الجهل والخرق والسخف
جهل كثيف، وعقل سخيف، قالب جهل مستور بثوب. فلان جاهل لا يميز، وأهوج لا يتحرز، أخرق متخلف، أهوج متعجرف. لا يستتر من العقل بسجف، ولا يشتمل إلا على سخف. يمد يد المجون فيعرك بها أذن الحزم، ويفتح جراب السخف فيصفع بها قفا العقل. لا تزال الأخبار تورد سفاتج جهله وخرقه، والأنباء تنقل نتائج سخفه وحمقه، قد ظل يتعثر في فضول جهله، ويتساقط في ذيول خرقه. قد أتى ما دل على خرقه، وركاكة خلقه.
الخسة مع الثروة
والاقتصار من الانعام والأفضال على التنعم والتجمل
وجمع المال وترك التطول فلان سمين المال، مهزول النوال. عظيم الرواق، صغير الأخلاق. يصون فلسه، ويبذل نفسه. الدهر يرفعه، ونفسه تضعه. ثروة في الثريا، وهمة في الثري. لا يكدح إلا لتطييب الطعم، وتنعيم الجسم، ثم يرى المكارم، من المحارم. قد وفر همه على مطعم يجوده، وملبس يجدده، ومرقد يمهده، وبنيان يشيده، ثم ينجده، فما يشد للمكارم رحلاً، ولا يحمل للفضل كلا، همه أن يتشبع ويتضلع، ويكتسي ويتمشقع، ويتجلل ويتبرقع، ويتربع ويترفع، وقصاراه أن ينصب تخته، ويوطئ استه دسته، وحسبه من الشرف أن يصهرج أرضها، ويزبرج بعضها، ويكفيه من الكرم أن تعدو الحاشية أمامه، وتحمل الغاشية قدامه، ويجزيه من الفضل ألفاظ فقاعية، وثياب مشقاعية. يلبسها ملوماً، ويحشوها لوماً. ما اتسعت دورهم، إلا ضاقت صدورهم، ولا أوقدت نارهم، إلا انطفأ نورهم، ولا هملجت عتاقهم، إلا قطفت أخلاقهم، ولا صلحت أحوالهم، إلا فسدت أفعالهم، ولا كثر مالهم، إلا قل جمالهم.
القلة والذلة
ريح صيف، وطارق طيف. فوته غنيمة، والظفر به هزيمة. هو العود المركوب، والزند المضروب، يطأه الخف والحافر، ويستضيمه الوارد والصادر. هو كالعصفور إن تركته فات، وإن قبضت عليه مات. يغمض عن الذكر، ويصغر عن الفكر. ذلة لا توسم أغفالها، وضعة لا تنفرج أقفالها. نهزة الطالب، وفرصة المغالب، وعرضة القاذف والحاذف. أقل من تنبه، في لبنة، ومن قلامة، في قمامة.
خبث الطوية ومخالفة الباطن للظاهر
قلب نغل، وصدر دغل. طوية معلولة، وعقيدة مدخولة. ظاهر يسر الناظر، وباطن يسو الخابر. صديق العيان، عدو المغيب. ما أكذب سراب أخلاقه، وأكثر أسراب نفاقه. صفوه رنق، وبره ملق، ووده مذق. هو لابس من الغش ثوباً لا ينضوه، ولازم من الفعل سمتاً لا يعدوه، ينتهز الفرصة كيف ينشر أجنحة الاحتيال، وكيف يعمل أسلحة الاغتيال. يدب الخمر، ويمشي الضراء، ويسر حسواً في ارتغاء. قد ملئ قلبه رينا، وشحن صدره مينا. خبيث النية، فاسد الطوية، مقلب لسان الملق، ساتر بالتخلق وجه الخلق. عند الرجاء موجود، عند البلاء مفقود. يمشي الضراء في الغيلة، ويتنفق بالنفاق والحيلة. يبث حبائل الزور، وينصب أشراك الغرور، ويدعي ضروب الباطل، ويتحلى بما هو منه عاطل. يدعي الفضل وهو فيه دعي. يبدي وجه المطابق الموافق، ويخفي نظر المسارق المنافق. دأبه بث الخدائع، والنفث في عقد المكاره والمكائد. ضميره خبث، ويمينه حنث وعهده نكث.
ما يختص من هذا الباب بالمرائين من الفقهاء والعدول والقضاة
بيض لحيته ليسود صحيفته، وأظهر روعه، ليخفي طمعه، وقصر سباله ليطيل يده، وتغشى محرابه، ليملأ جرابه، ما ظنك بذئاب طلس، في ثياب ملس. قوم يحملون الأمانة على متونهم، ليأكلوا النار في بطونهم، حتى تغلظ قصراتهم من مال اليتامى، وتسمن أكفالهم من غزل الأيامى. عدل يبرز في ظاهر أهل السمت، وباطن أصحاب السبت. فعله الظلم البحت، وأكله الحرام السمت، سوس لا يقع إلا في صوف الأيتام، وجراد لا يسقط إلا على الزرع الحرام، وكردي لا يغير إلا على الضعاف، ولص لا ينقب إلا على خزانة الأوقاف، وذئب لا يفترس عباد الله إلا بين الركوع والسجود، وحارب لا ينهب مال الله إلا بين العهود والشهود. قاض لا شاهد عنده أعدل من السلة والجام، يدلي بهما إلى الحكام، ولا مزكي أصدق لديه من الصفر، الذي يرقص على الظفر، ولا وثيقة أحب إليه من غمزات الخصوم، على الكيس المختوم، ولا كفيل أوقع بوفاقه من خبنة الذيل، وحمال الليل، ولا خليل أعز إليه من المنديل والطبق، في وقت العشاء والفلق، ولا حكومة أبغض إليه من حكومة المجلس، وخصومة المفلس، ثم الويل للفقير إذا ظلم فما ينجيه مجلس القضاء، إلا بالنار من الرمضاء، وأقسم أن اليتيم إذا وقع إليه فقد وقع بين مخالب الأسود، وأنياب الحبات السود.
الكذب والبهتان
فلان منغمس في عيبه، يكذب لذيله على جيبه. يقول بهتاً، وزوراً بحتا. قد ملىء قلبه رينا، وقوله مينا، يدين بالكذب مذهبا، ويستلين الزور مركبا، الفاختة عنده أبو ذر. لا أضغي إلى ما يلفق وينمق، ويخلق ويزوق. أقاويل يتمشى الزور في مناكبها، ويتردد البهتان في مذاهبها. حسب الكاذب بفعله شتما، وبقلبه خصما، أما يخاف الكذوب، أن يذوب?
خبث اللسان والفعل
لسانه مقراض، للأعراض. فلان يأكل خبزه بلحوم الناس. عرض دني، وفم بذي.لا يزال تخرج من فمه كلمة يقطر منها دمه، ويتبرأ منها لسانه ويده، وتطلقه نفسه. من أغمد فيه سيف الريبة، انسل منه لسان الغيبة، ومن طعن عجانه، طعن لسانه، ومن وارى سوءة أخيه صغيرا، تنقل بأعراض الكرام كبيرا. فلان مقصور الهمة على ما يستهجن ذكره، فكيف ارتكابه وفعله. فلان فيه بغي مشتق من البغاء، وبه وجع في الوجعاء. فلان لسهام الغائبين مستهدف، ولعصي الفاسقين متلقف. فلان يخبأ العصا، في الدهليز الأقصى. هو أبغى من إبر الخياطين، ومحابر الوراقين.
الاستهداف لسهام الغائبين
فلان عرض يرشق بسهام الريبة، وعلم يقصد بالوقيعة. قد تناولته الألسن العاذلة، وتناقلت حديثه الأندية الحافلة، قد لزمه عار لا يمحى رسمه، ولزبه شنار لا يزول وسمه. قد قلد نفسه عاراً لا يرحضه الاعتذار، ولا يعفيه الليل والنهار. قد أصبح نقل كل لسان، وضحكة كل إنسان، وحملت أمهاته سفاتج إلى البلدان. قد صار دولة الألسن، ومثلة الأعين. قد عرض عرضه لسهام الغائبين، وألسنة القاذفين والحاذفين. قد قلد نفسه عظيم العار والشنار، وألبسها اللبسة الخالدة على الليل والنهار.
التيه والكبر
قد أسكرته خمرة الكبر، واستهوته غرة التيه. كأن كسرى حامل غاشيته، وقارون وكيل نفقته، وبلقيس إحدى داياته، وكأن يوسف لم ينظر إلا بمقلته، ولقمان لم ينطق إلا بحكمته. كأن الشمس تطلع من جبهته، والغمام يندي من يمينه. كأنه امتطى السماكين، وانتعل الفرقدين، وتناول النيرين بيدين، وملك الخافقين، واستعبد الثقلين. كأن الخضراء له عرشت والغبراء باسمه فرشت.
الحسد
قد دبت عقارب الحسدة، وكمنت أفاعيهم بكل مرصدة. فلان معجون من طينة الحسد والمنافسة. مضروب في قالب الضيق والمناقشة. قد وكل بي لحظاً ينتضل بأسهم الحسد. فلان جسد، كله حسد، وعقل كله حقد. الحاسد يعمى عن محاسن الصبح، بعين تدرك فائق الفتح. الحسود، لا يسود. الحسد، آفة الجسد.
دناءة النفس مع شرف الأبوة
فلان من الطاووس رجله، ومن الورد شوكه، ومن الماء زبده، ومن النار دخانها، ومن الخمر خمارها، ومن الدار كنيفها. يا عجباً أيلد البهيم، وولد آزر إبراهيم.
النميمة
لعن الله من يفسد ذات البين، ويسعى بالنميمة بين المحبين. النمام يحارب بسيف كليل إلا أنه يقطع، ويضرب بعضد واهن إلا أنه يوجع. فلان لا يزال ينمنم حلة النمائم، وينفث في عقد المكاره. قد هبت سمائم نمائمه ودبت عقارب مكائده. النميمة من سلاح النساء، وحصون الضعفاء.
الجبن
ليست اليراعة الجوفاء إلا أثبت منه قوة، وأشد منة. فهو يحسب كل صيحة عليه، وكل هيعة عدواً يقبض على يديه. فلان تمثال الجبن، وصورة الخوف، ومقر الرعب، ومن لو سميت له الشجاعة لخاف لفظها قبل معناها، وذكرها قبل فحواها، واسمها قبل مسماها. هو من تخوفه أضغاث الأحلام، فكيف مسموع الكلام. إذا ذكرت السيوف لمس رأسه هل ذهب، وإذا ذكرت الرماح مس جنبه هل ثقب. كأنه أسلم في كتاب الجبن صبيا ولقن كتاب الفشل أعجميا.
خلف الوعد وكثرة المطل
ما له من وعد أخذ من البرق الخلب خلقا، وتناول من العارض الجهام طبعا، وتركني أرعى رياض رجاء لا تنبت، وأجني ثمر أمل لا يورق. هو في ضمار الانتظار، وإسار عدة ضمار. جعل يلوذ بذمة المطل، ويرجي يوماً إلى غد. وعده برق خلب، وروغان ثعلب. غيم وعده جهام، وسيف بذله كهام. وعده مقرمط، ومطله مفرط. حصلت معه على مواعيد عرقوبية، وأحزان يعقوبية. قد حرمه ثمرة الوعد، وجره على شوك المطل. أنبت بوعده روض الآمال، ثم حصده بالخلف والمطال. وعد كالوعيد، بمطل شديد، يشيب الوليد. ولاية فلان وعد وصرفه اعتذار. وعده ضمار لا ينجز، وسحابه جهام لا يسكب. لا وعد نجيح، ويأس مريح. سحائب الصيف أثبت من قوله، والخط في صفحة الماء أقوى من عهده، ومواعيد عرقوب أقرب إلى الإنجاز من وعده. خلف الوعد، خلق الوغد. فلان يرسل برقه، ولا يسيل ودقه، ويقدم رعده، ولا يمطر بعده. وعده الخط في بسط الهواء، والرقم على بساط الماء.
صعوبة الجانب
صخرة خلقاء لا تستجيب للمرتقي، وحية صماء لا تسمع للراقي. كأني أستفز منه بالحداء عودا، وأهز بالدعاء طودا. كأني أنادي صخرة وأرقي حية. فلان ثاني العطف، نائي العطف. فلان صعب المعطف، بعيد المرجع، زحلي خطو العطف، جمادي حركة الصفح. لا تنحل عقده، ولا تتحافى عن فريسة يده.
العجز
فلان عاجز المنة، قاصر القوة. يتعلق بأذناب المعاذير، ويحيل على ذنوب المقادير. ما قطع في ذلك شعرة، ولا سقى قطرة، ولا فاه فيه بفصيح ولا أعجم. هو كالنعامة يكون جملاً إذا قيل طيري، وطائراً إذا قيل سيري. الطير تغدو خماصاً، وتروح بطاناً، وهو عاجز عما يقتاته، قاصر عما تتماسك به حياته. يقام له نزل، ولا يفوض إليه شغل، ويملأ له وطب، ولا يرفع إليه خطب، وهذا والله عيش العجائز، والزمن العاجز.
آخر كتاب المساوئ والمقابح، ولله الحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب العيادة وما يجانسها
ذكر التشكي والمرض
عرض لي مرض أساء بالنجاة ظني، وكاد يصرف وجه الإفاقة عني. لو رآني لرآني خلالاً، ولو شئته لطرقته خيالاً. هو شورى بين أمراض أربعة: حمى لا تغب، وصداع لا يخف، وزكام يكد، وسعال لا يكف. علة هو في أسرها معتقل، وبقيدها مكبل. أمراض توالت علي، وأساءت بي وإلي، فأنا أشكوها وأشكر الله تعالى إذ جعلها عظة وتذكيراً، ولم يبق منها حتى الآن إلا يسيراً. أحسب الأمراض قد أقسمت على أن تجعل أعضائي مرابعها، وآلت على أن تصير جوارحي مراتعها. علل لا يصدر منها آت إلا لتكرير ورد، ولا يعزل فيها وال إلا بولي عهد. قد كرت تلك العلة فعادت عللا، وسقاني بعد نهل عللا، حليف علة أقعدتني عن الحركة، وألزمتني من المنزل عرصة العجزة. علة برته بري الأخلة، ونقصته نقص الأهلة. تركته حرضاً، وأوسعته مرضاً، وغادرته والخيال أكثف منه جثة، والطيف أوفر قوة.
اشتداد العلة وسوء الظن بها
عرض له من المرض ما صار له القنوط يغاديه ويراوحه، واليأس يخاطبه ويصافحه، ورد من سوء الظن أوخم المناهل، وبات من حسن الرجاء على مراحل. طالعت الكرم يترجح نجمه بين الإضاءة والأفول، وتتمثل شمسه بين الإشراق والغروب. أصبح فلان لا ينقل رأسه، ولا يجر ظله. ويد المنية تقرع بابه. ما هو إلا حرض، ولسهم المنية غرض. شاهدت نفسي وهي تخرج، ولقيت روحي وهي تعرج، وعرفت كيف تكون السكرة، وكيف تقع الغمرة، وكيف طعم البعد والفراق، وكيف يلتف الساق بالساق.
الانزعاج لعارض العلة
مرض فلحقتني روعة، وملكتني لوعة. وجدت في نفسي ألماً مما مسه، وتخون أنسه، بلغني من شكاته ما أوحش جناب الأنس، وأراني الظلمة في مطلع الشمس. بلغني ما عرض له من المرض، وألم به من الألم، وتحامل على سواء صدري، وأقذى سواد طرفي. قد استنفذ القلق لعلتك ما أعده الصبر من ذخيرة، وأضعف ما قواه العزاء من بصيرة. أتقلب على حد السيف إلى أن أعرف انكشاف العارض وزواله، وأتحقق انحساره وانتقاله. انهي إلي من خبر العارض حسم الله مادته، وقصر مدته. ما أراني الأفق مظلما، وطريق العيش مبهما.
تهوين أمر العارض بحسن الرجاء
هذه ه العوارض قد تكون، ثم تزول بإذن الله وتهون. إن الذي يبلغني من ضعفه قد أضعف المنة، وإن لم يضعف الظن بالله والثقة. قد استشف العافية من وراء ثوب رقيق، وبات منها على وعد قريب، ربما يشفى من أشفى، وحسبنا الله وكفى، ما أكثر ما رأينا هذه العلل جلت ثم جلت، وتوالت ثم تولت.
ذكر المشاركة في العلة
خبرني فلان بعلتك فأشركني فيها هماً وقلقاً، ولا أعل الله لك جسماً ولا حالاً، ورد إليك العافية وأدامها لك. ليست نكاية الشغل في قلبي بأقل من نكاية الشكاية في جسدك، ولا استيلاء القلق على نفسي بأيسر من اعتراض السقام لبدنك، ومن ذا الذي يصح جسمه إذا تألمت إحدى يديه، ومن يحل محلها في القرب إليه. ما كنت أعلم خبر العارض لك حتى تحققت ذلك من مشاركتي إياك في علتك وصحتك. ما انفرد جسمك بألم العلة دون قلبي ولا اختصت نفسك بمعاناة المرض دون نفسي. ليعلم سيدي أني سقيم بسقمه، وواجد بقلبي ما يجده بجسمه.
الاهتمام للعلة ثم الاستبشار بزوالها
أنا منزعج لشكاتك، مبتهج لمعافاتك. إن كانت علتك قد قرحت وجرحت، فإن صحتك قد أست وآنست. بلغني شكاتك فارتعت، ثم عرفت خفتها فارتحت. الحمد لله على قرب المدة بين المحنة والمنحة، والبلوى والنعمة، على أنا لم نتهالك بأيدي المخافة، حتى تداركنا الله بحسن الرافة، ولم نستسلم لخطة الحذر، حتى سلم من ورطة القدر.
شكاة أهل الفضل والسؤدد
شكاته التي تتألم لها المروءة والفضل، ويسقط لها الكرم المحض. شكاته التي غصت بها حلوق المجد، وحرجت لها صدور الأدب، وبدا الشحوب معها على وجه الحرية، وحرم عندها البشر على غرة المروة، علته التي أعلت أكثر القلوب، وطيرت الأرواح عن جل النفوس، قد اعتل بعلته الكرم، وشكا بشكايته السيف والقلم. شكاة عرضت منه لشخص الكرم الغض، والشرف المحض، لو قبلت مهجتي فدية دون وعكة تجدها، وساعة أنس تفقدها، لبذلتها علماً بأني أفدي الكرم لا غير، والفضل ولا ضير.
أدعية العيادة
أغناك الله عن الطب والأطباء، بالسلامة والشفاء. كفاك الله بالسلامة، وشفاك بالطافه الخاصة والعامة. جعله الله عليك تمحيصا، ولا تنغيصا، وتذكيرا، لا تنكيرا، وأدبا، لا غضبا، والله يدر لك صوب العافية، ويضفي عليك ثوب الكفاية الوافية. أذن الله في شفائك، وتلقى داءك بدوائك، ومسحك بيد العافية، ووجه إليك وافد السلامة، وجعل علتك ماحية لذنوبك، مضاعفة لثوابك. أوصل الله إليك من برد الشفاء، ما يكفيك حر الأدواء.
تنسم الإقبال بعد اليأس
قد شمت بارقة العافية، وشممت رائحة الصحة. أقبل صنع الله من حيث لم أرتقب، وجاءني لطفه من حيث لم أحتسب، وتدرجت إلى الإبلال وقد حسبته حلما، ورضيت به دون الاستقلال غنما. قد تخلصت إلى شط العافية، وصافحت كف حسن العاقبة. كما تداركني الله بلطيفة من لطائفه، نوجعل هبة الروح عارفة من عوارفه. تنسمت روائح الحياة بعد أن أشفيت على الوفاة، وثنيت وجهي إلى الدنيا، بعد مواجهتي الدار الأخرى. تداركني صنع الله ولطفه فأقالا عثرة ما خلتني أقالها، وأزالا علة لم يحتسب زوالها.
ذكر الإبلال وحمد الله عليه والدعاء عنده
قد صافح الإقلال والإبلال، وقارب النهوض والإستقلال. سيرويك الله من العافية التي ذوقك ويسبغ ثوبها عليك، ولا عيد مكروهاً إليك. المرض قد انحسر، والألم قد انحسم. قد استقل استقلال السيف حودث حده، وأعيد فرنده، والقمر انكشف سراره، وذاعت أسراره. حين استقلت يدي بالقلم، بشرتك بانحسار الألم. قد أقال الله بالسلامة الفائضة، وأدال من الشكاية العارضة، فانشرحت الصدور، وشمل السرور. أبل فعادت به الصدور مثلوجة، والكرب مفروجة. الحمد لله الذي حرس جسمك وعافاه، ومحا عنه أثر السقم وعفاه. الحمد لله الذي جعل العافية عقبى ما تشكيت والسلامة عوضاً مما عانيت الحمد لله على أن أعفاك من معاناة الألم، وعافاك للفضل والكرم، ونظمني معك في سلك النعمة، وضمني إليك في مسلك الصحة، والله يجعل السلامة أطول برديك، وأشدهما سبوغاً عليك، ويدفع في صدور المكاره دون ربعك، وفي نحور المحاذر قبل الانتهاء إلى ظلك. لا زالت العافية شعارك، ما وصل ليلك ونهارك. سوغك الله العافية وهنأك العيشة الراضية.
الاستشفاء بكتب العيادة
كلامك قد أدى روح السلامة في أعضائي، وأوصل برد العافية إلى أحشائي، تركني كتابك والظليم ينتسب إلى صحتي بعد أمراض اكتنفت، وأسقام اختلفت. قد استبق كتابك والعافية إلى جسمي، حتى كأنهما فرسا رهان تباريا، ورسيلا مضمار تجاريا. أبدلني كتابك من حزون الشكاة، سهول المعافاة، ومن شدة التألم، رخاء التنعم، ومن ضيق الصدر باضطراب البدن، سعة الصدر باستقرار الجسد، حتى كأنه مسحة ملك منزل، أو سبحة نبي مرسل.
آخر كتاب العيادة، ولله الحمد والمنة
كتاب التهاني والتهادي
وما ينخرط في سلكها، ويأخذ مأخذها
ألفاظ التهنئة بمولود
مرحباً بالفارس المحقق للظنون، المقر للعيون. المقبل بالطالع السعيد، والخير العتيد. أنجب الأبناء، لأكرم الآباء. أنا مستبشر بطلوع النجم الذي كنا منه على أمل، ومن تطاول استسراره على وجل. إن يشأ الله يجعله مقدمة إخوة في نسق، كالفرند المتسق. قد طلع في أفق الحرية أسعد نجم، ونجم في حدائق المروءة أزكى نبت. يا بشرايبطلوع الفارس الميمون جده، المضمون سعده. عليه خاتم الفضل وطابعه، وله سهم الخير وطالعه، الحمد لله على طلوع هذا الهلال الذي نراه إن شاء الله بدراً لا يضمر السرار ضياه، ولا يبلغ المحاق سناءة وسناه. قد بشرت قوابله بالإقبال وعلو الجد، واقترن قدومه بالطائر السعد. هنأك الله قوة الظهر، واشتداد الأزر، بالفارس المكثر لسواد الفضل، الموفر لجمال الأهل، المستوفي بشرف الأرومة، كرم الأبوة والأمومة، وأبقاه حتى نراه، كما رأينا جده وأباه. عرفت آنفاٍ ما كثر الله به عدده، وشد عضده، بطلوع الفارس الذي أضاء له أفق النجابة، وطال به باع السعادة. بشرت بالنور الساطع في أفق النجابة، والبدر الطالع في فلك السعادة. فعظمت النعمى لدي، وأوردت البشرى غاية المنى علي.
?ما يختص منها بالملوك مرحباً بالفارس القادم، بأعظم المغانم. سوي الخلق، سامي العرق. تلوح عليه سيما المجد، وتتجاذبه أطراف الملك. وردت البشرى بالفارس الذي أوسع رباع المجد تأهلاً، وأطراف الملك تحصناً، ومناكب الشرف ارتفاعا، وأعضاد العز اشتداداً. أتتني بشرى البشائر، والنعمى المحروسة عن النظائر. في سلالة العز وسليله، وابن منبر الملك وسريره. الأمير القادم، بغرة المكارم. الناهض إلى ذروة العلياء، بأباء أمره وملوك عظماء. مرحباً بالفارس المأمول لشد الظهور، المرجو لسد الثغور. الحمد لله الذي شد أزر الدولة، ونظم قلادة الأمر، وعمر سرير العز، ووطد منابر المملكة، بالقمر السعد، وشبل الأسد الورد. قد تبسمت المكارم والمعالي، وتباشرت الخطب والقوافي، بالفارس المأمول لشد أزر الملك، وسد ثغر المجد، وتطاول السرير شوقاً إليه، واهتزت المنابر حرصاً عليه. قد افتر جفن العالم عن العين البصيرة، واستغرب مضحكه عن اللمعة المنيرة. أما الأمير المولود فالتاج بجبينه يبهى، والركاب بقدمه يزهى.
?الأدعية للمولود والوالد
اللهم أرني هذا الهلال بدرا، قد علا الأقران قدرا. بلغه الله فيه مناه، حتى يراه وأخاه، منيفين على ذروة المجد، آخذين بأوفر الخطوط من علو الجد، والله يمتعه به، ويرزق الخير منه، ويحقق الأمل فيه. عرف الله مولاي بركة المولود المسعود، وعضد الفضل بالزيادة في عدده، وأقر عين المجد بالسيادة من ولده، عرفه الله من سعادة مقدمه، ما يجمع أعداءه تحت قدمه. عمرك الله حتى ترى هذا الهلال قمراً باهرا، وبدراً زاهرا. يكثر به عدد حفدتك، وتعظم منه غصة حسدتك، من حيث لا تهتدي النوائب إلى عراصكم، ولا تطمع الحوادث في انتقاصكم. متعك الله بالولد، وجعله من أقوى العدد، ووصله بإخوة متوافري العدد، شادين للإزر والعضد. هنأك الله مولده، وقرن باليمن مورده وآراك من بنية أولاد بررة وأسباطاً وحفدة عرفك الله بركة قذمه، ونجح مقدمه، وسعادة طالعه، ويمن طائره، وعمرك حتى ترى زيادة الله منه، كما رأيتها به.
ما يختص منها بالملوك والسادة
الله يبلغه أفضل ما تقسمه السعود، وتعلو به الجدود، حتى يستغرق مع إخوته مساعي الفضل، ويشيدوا قواعد الفخر، ويزحموا صدور الدهر، ويضبطوا أطراف الأرض، والله يحرسه من نواظر الأيام أن ترنو إليه، وأطماع الليالي أن تتوجه عليه، حتى يستقل بأعباء الخدمة، وينهض بأثقال الدولة، ويخف في الدفع عن البيضة، ويتسرع إلى حماية الحوزة، والله يديم لمولانا من العمر أكلأه، ومن العز أهنأه، ليطبق العالم بفضله وعدله، ويدبر الأرض بالنجباء من نسله.
ذكر المولود العلوي
غصن رسول الله صلى الله عليه وسلم شجره، حقيق أن يحلو ثمره، وفرع بين الرسالة والإمامة منتهاه. خليق أن يحمد بدؤه وعقباه. مرحباً بالطالع بأيمن الطالع، ومن أشرف المناصب والمنابع. حيث الرسالة والإمامة، والخلافة والزعامة. أبقاه الله حتى تتهنأ فيه سوابغ المنن، ويعد حسنة في بني الحسن.
ذكر التوأمين
تيسرت منحتان في موطن، وانتظمت موهبتان في قرن. طلع في أفق الملك نجماً سعد، وشهابا عز، وكوكبا مجد، فتأهلت بهما رباع المحاسن، ووطئت لهما أكناف المكارم، واستشرفت إليهما صدور الأسرة والمنابر. عرفه الله السعادة في طلوع بدرين انبعثا من نوره، واستنارا في دوره. بلغني خبر الموهبة المشفوعة بمثلها، والنعم المقرونة بعدلها، في الفارسين المقبلين رضيعي العز والرفعة، وقريعي المجد والمنعة، فشملني من الاغتباط ما يوجبه ازدواج البشرى، واقتران عارفة بأخرى.
في التهنئة بالبنت
هنأ الله سيدي ورود الكريمة عليه، وثمر بها أعداد النسل الطيب لديه، وجعلها مؤذنة بإخوة يررة، يعمرون أندية الفضل، ويعمرون بقية الدهر. اتصل بي خبر المولودة كرم الله غرتها، وانبتها نباتاً حسناً، وما كان من تغيرك عند اتضاح الخبر، وإنكارك ما اختاره لك سابق القدر، وقد علمت أنهن أقرب من القلوب، وأن الله بدأ بهن في الترتيب، فقال جل من قائل: " يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور "، وما سماه الله هبة فهو بالشكر أولى، وبحسن التقبل أحرى. أهلاً وسهلاً بعقيلة النساء، وأم الأبناء، وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار، والمبشرة بإخوة يتناسقون، ونجباء يتلاحقون.
فلو كان النساء كمثل هـذي لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للـهـلال
والله يعرفك البركة في مطلعها، والسعادة بموقعها، فادرع اغتباطاً، واستأنف نشاطاً، والدنيا مؤنثة والناس يخدمونها، والنار مؤنثة والذكور يعبدونها، والأرض مؤنثة ومنها خلقت البرية، وفيها كثرت الذرية، والسماء مؤنثة وقد زينت بالكواكب، وحليت بالنجم الثاقب، والنفس مؤنثة، وهي قوام الأبدان، وملاك الحيوان. والحياة مؤنثة ولولاها لم تتصرف الأجسام، ولا عرف الأنام، والجنة مؤنثة وبها وعد المتقون، وفيها ينعم المرسلون، فهنيئاً هنيئاً ما أوليت، وأوزعك الله شكر ما أعطيت، وأطال بقاءك ما عرف النسل والولد، وما بقي الأبد، وكما عمر لبد، إنه فعال لما يشاء وهو على كل شيء قدير.
ألفاظ التهنئة بالاملاك وما يقترن بها من الأدعية
من اتصل بمولاي سببه، وشرف به منصبه. كان حقيقاً بالرغبة إلى الله في توفيره وتكثيره، وزيادته وتثميره، لتزكو منابت الفضل، وتنمي مغارس الفخر وتطيب معادن المجد. بارك الله مولاي في الأمر الذي عقده وأحمده إياه وأسعده، وجعله موصولاً بنماء العدد، وزكاء الولد، واتصال الحبل، وتكثير النسل، والله يخير له في الوصلة الكريمة، ويقرنها بالمنحة الجسيمة. قد عظم الله بهجتي، وضاعف غبطتي، بما أتاحه من سرور ممهد، بجمع شمل مجدد. فلا زالت النعم به محفوفة، والمسار إليه مزفوفة. جعل الله هذه الوصلة وكيدة العقدة، طويلة المدة. سابغة البركة والفضل، طيبة الذرية والنسل. وصل الله هذا الاتصال السعيد والعقد الحميد. بأكمل المواهب، وأحمد العواقب، وجعل شمل مسرتك به ملتئماً، وسبب أنسك منتظما. عرفك الله تعجيل البركات، وتوالي الخيرات، ولا أخلاك في هذه الوصلة من التهاني بنجباء الأولاد، وكبت بكثرة عددك جميع الحساد. هنأ الله مولاي الوصلة لتتصل بكثرة العدد، ووفور الولد، وانبساط الباع واليد، وعلو القدر والجد.
ألفاظ التهنئة بالولايات
عرفت خير البلد الذي أحسن الله إلي أهله، وعطف عليهم بفضله، إذ أضيف إلى ما يلاحظه مولاي بعين إبالته، وينفي خلله بفضل أصالته. من سر في الولاية يلبس مولاي ظلالها، ويسحب أذيالها، بنعم مستفادة، ورتب مزدادة، فسروري بما يكتسبه من كل عمل يدبره، وأمر يقدره، من أحدوثة جميلة، ومثوبة جزيلة، ويؤثره من إحياء عدل، وإماتة ظلم، وعمارة لسبل الخيرات، وإيضاح لطرق المبرات. التهنئة بالأعمال وأن كبر عنها موقعه، وكان بحمد الله يرفعها ولا ترفعه، فالرسوم تحفظ تحدثاً يولي الله مسوغا، ويؤتي مسبغا. سيدي يوفي على الرتب التي يهنأ ببلوغها، ويزيد على المنازل التي يدعى له بحلولها. فهنيئاً تجملها بولايته، وتحليها بكفايته. الأعمال، وإن بلغت أقصى الآمال، فكفاية مولاي تتجاوزها، والرتب وإن جلت قدرا، وكبرت ذكرا، فصناعته تسبقها وتشآها، غير أن للتهاني رسماً لا بد من إقامته، وشرطاً لا سبيل إلى نقض عادته. الأعمال، وإن بلغت الآمال، فكفاية سيدي توفي عليها إيفاء الشمس على النجوم، وترتفع عنها ارتفاع السماء عن التخوم. سيدي أرفع قدرا، وأنبه ذكرا، من أن نهنئه بولاية وإن جل أمرها، وعظم قدرها، لأن الواجب تهنئة الأعمال بفائض عدله والرعية بمحمود فعله، والأقاليم بآثار سياسته، والولايات بسمات رئاسته.
ما يختص منها بالوزراء
أنا أهني الوزير بالنعمة التي عمت أهل الأرض، وخصت بني الفضل، وإن كان فوق كل ولاية توكل إليه، وراية تخفق عليه. أهني سيدنا بالحال التي جددها الله له كما يهنأ ناشد الضالة إذا وجدها، لا كما يهنأ طالب الغنيمة إذا ظفر بها. قد أعطيت قوس الوزارة منه باريها، وأضيفت إلى كفوها وكافيها، وفسخ بها شرط الدنيا الفاسد في إهداء حظوظها إلى أوغادها، ونقض بها حكمها الجائر في العدول بها هم نجباء أولادها. قديماً ألقت إليه الوزارة بالمقاليد، ونصت عليه بالتقليد، وتجملت منه تجمل من سواه بها، وسمت إليه سمو غيره إليها. الدنيا أيد الله الوزير مهناة بانحيازها إلى رأيه وتنفيذه، والممالك مغبوطة باتصالها إلى أمره وتدبيره. قد كانت الدنيا متطلعة لرئاسته، مستشرقة لوزارته، إلي أن سعدت بما كانت الآمال عنه مخبرة، وحظيت بما كانت الظنون به مبشرة. وانحيازها إلى جنته واضحة الفجر، وتوشحها من كفايته بغرة سائرة إلى وجه الدهر. الحمد لله الذي أقر عين الفضل، ووطأ مهاد المجد، وترك الحساد يتعثرون في ذيول الخيبة، ويتساقطون في فضول الحسرة، وأراني الوزارة، وقد استكمل الشيخ خلالها، ووفاها جمالها
فلم تك تصلح إلا لـه ولم يك يصلح إلا لها
ما يختص منها بالقضاة
القاضي علم العلم شرقاً وغربا، ونجم الفضل غوراً ونجدا، وشمس الأدب براً وبحرا، فسبيل الأعمال أن تهنأ إذا ردت إلى نظرة الميمون، وعصبت برأيه المأمون. أسعد الله القاضي بما جدد له من رأي مولانا وارتضائه، واعتماده لأجل أمور الشريعة وانتضائه، وأسعد المسلمين والدين بما أصاره إليه، وجعل زمامه بيديه.
الأدعية التي في التهاني بالأعمال والولايات
عرف الله سيدي من سعادة عمله، أفضل ما ترقاه بأمله، ولقاه من مناجح أمره أبلغ ما انتحاه بفكره. خار الله له فيما تولاه وتطوقه، وبلغه في كل حال أمله وحققه. عرفه الله من يمن ما باشره تدبيره الخير والخيرة، والبركات الحاضرة والمنتظرة، وجعل المنائج إليه أرسالا، لا تمل توالياً واتصالاً. أسعده الله أفضل سعادة قسمت لوالي عمل، وأحضر بركة أسهمت لمسامي أمل. أحضر الله السداد عزمه، وألزم الرشاد همه، وكنفه بالعصمة وأيده، وقرن به التوفيق ولا أفرده. هنأة الله الموهبة التي ساقها إليه، ومد رواقها عليه إذ كانت من عقائل المواهب، مسفرة عن خصائص المراتب، وحلت منه محل الإستيجاب، لا الإيجاب، والإستحقاق، دون الإتفاق. هنأة الله نعمة الفضل التي الولاية أصغر آلاتها والرئاسة بعض صفاتها.
ذكر الخلع والأحبية ووصفها
أهنئ سيدي بمزيد الرفعة، وجديد الخلعة، التي تخلع قلوب المنازعين، واللواء الذي يلوي أيدي المنابذين والحملان الذي لو امتطاه إلى الأفلاك لحازها، أو سامى به الجوزاء لجازها. بلغني خبر ما تطوعت به سماء المجد، وجادت به أنواء الملك، فتضمن من الخلع اسناها، ومن السيوف أمضاها، ومن الأفراس أجراها، ومن المراكب أبهاها، ومن الإقطاعات أنماها. لبس خلعته متجللا منها ملابس العز، وامتطى فرسه فارعاً ذروة المجد، وتقلد سيفه حاصداً بحده طلى أعدائه، وغامطي نعمائه، واعتنق طوقه متطوقاً عز الأبد، واعتصم بالسوارين المؤذنين بقوة الساعد والعضد، وساس أولياءه ولواؤه عليه خافق، ولسان النصر والظفر ناطق. قد لبس عبده خلعته، التي تعمد بها رفعته، وامتطى حملانه، الذي واصل به إحسانه، وتنطق بحسامه، الذي ظاهر أثواب انعامه، وتختم بخاتميه، اللذين بسطا من يديه، ووقع من دواته، التي أعلا بها من درجاته، وتمهد له الدست المحمول إليه. فدرت سماء الشرف عليه. الخلعة التي تتراءى صفحات العز على أعطافها، وتمتري مرايا المجد من أطرافها، والحملان الذي تتناول قاصية المنى من ناصيته، والمركب الذي تستجدي حلي الثريا بحليته، والسيف والمنطقة الناطقان عن نهاية الإكرام، الناظمان قلائد الإنعام. خلع تخلع قلوب الأعداء عن مقارها وتغمر نفوس الأولياء بمسارها، وسيف كالقضاء مضاء وحداً، وكلأقدار غراراً وحداً، ولواء تخفق قلوب المنازعين إذا خفق، وحملان يصرم منكب الدهر إذا انطلق.
في التهنئة بالقدوم
أهنئ نفسي وسيدي لما يسره الله من قدومه سالماً، وأشكر الله على ذلك شكراً دائماً. قد أعفيت ظهور ركابه، وأبت البركة بإيابه. جعل الله قدومك مقروناً بالخيرة التامة العامة، والكفاية الشاملة الكاملة. غيبة المكارم مقرونة بغيبتك، وأوبة النعم موصولة بأوبتك، فوصل الله قدومك من الكرامة، بأضعاف ما قرن به مسيرك من السلامة. هنأك الله إيابك وبلغك محابك، ما زلت أيام غيبتك لا أوحش الله ربعك منك بذكرك مستأنسا، وللشوق إليك مجالسا، إلى أن من الله من أوبتك بما عظمت علي به النعمة، وجلت لدي معه المنحة. ما زلت معك بالنية مسافراً، وباتصال الفكر وبالذكر ملاقيا، إلى أن جمع الله شمل سروري بؤبتك، وسكن نافر قلبي بعودتك، فأسعدك الله بمقدمك سعادة تكون بها للإقبال مقابلا، وبالأماني ظافراً، ولا أوحش منك أوطان الفضل، ورباع المجد، بمنة.
ألفاظ في التهنئة بالحج
وتفخيم أمر الحج وتعظيم المناسك والمشاعر
وما يتصل بهما من الأدعية
قصد البيت العتيق، والمقام الكريم، والمطاف الشريف والملتزم النبيه، والمستلم النزيه، ووقف بالمعرف العظيم، وورد زمزم والحطيم. حرم الله الذي أوسعه كرامة، وجعله للناس مثابه، وللخليل خطة، وللذبيح حلة، ولمحمد صلى الله عليه وسلم قبلة، ولأمته الهادية كعبة، ودعا إليها حتى لبي من كل طرف سحيق، وتسرع نحوه من كل فج عميق. يعود عنه من وفق وقد قبلت توبته، وغفرت حوبته، وسعدت سفرته، وأنجحت أوبته، وحمد سعيه، وزكا حجه، وتقبل عجه وثجه. انصرف مولاي عن الحج الذي انتضى له عزائمه، وأنضى فيه رواحله، وأتعب نفسه بطلب راحتها، وأنفق ذخائره، يشتري سعة الجنة وساحتها، قد زكيت إن شاء الله أفعالها، وتقبلت أعماله، وشكر سعيه، وبلغ هديه. قد أسقطت عن ظهرك الثقل العظيم، وشهدت الموقف الكريم، ومحضت من نفسك بالسعي من الفج العميق، إلى البيت العتيق. حمداً لمن سهل لك قضاء فريضة الحج والمشعر والمقام وبركة أدعية الموسم، وسعادة أفنية الحطيم وزمزم. قصد أكرم المقاصد، وشهد أشرف المشاهد. فورد مشارع الجنة، وخيم بمنازل الرحمة. قد خصتني مواهب الله لديك في الحج أديت فرضه، وحرم الله وطئت أرضه، والمقام الكريم قمته، والحجر الأسود استلمته، وزرت قبر الرسول عليه السلام مشافهاً لمشهده، ومباشراً لمسجده، ومشاهداً لمبدإه ومحضره، وماشياً بين قبره ومنبره، ومصلياً عليه حيث صلى، ومتقرباً إليه بالقرابة العظمى، وعدت وثوابك مسطور، وذنبك مغفور، وتجارتك رابحة، والبركات إليك غادية رائحة. تلقى الله دعاءك بالإجابة، واستغفارك بالرضا، وأملك بالنجح، وجعل سعيك مشكورا، وحجك مبرورا. عرف الله مولاي من مناجح ما نواه وأتاه، وقصده وتوخاه، ما يسعده في دنياه، ويحمد عقباه.
في ألفاظ التهنئة بالاطلاق من الحبس
الحمد لله حمد الإخلاص، على حسن الخلاص. قد فك من حلق الإسار وأنفذ من حد الشفار، وأقضى من ذلة رق، إلى عزة عتق. من تصلية جحيم، إلى جنة نعيم. خرج من العقال، خروج السيف من الصقال، خرج من إساره، خروج البدر من سراره. الحمد لله الذي فك أسرا، وجعل من بعد عسر يسرا. خرج قمر الفضل من سراره. وأنار في فلك مداره، خرج من البلاء، خروج السيف من الجلاء. أرخي عنه ضيق الخناق، وأطلق من أسر الوثاق. قد جعل له من مضايق الأمر مخرجاً نجيحا، وفي مغالق الأحوال مسرحاً فسيحا.
التهنئة بإقبال شهر رمضان وما يتصل بها من الأدعية
ساق الله إليك سعادة هلاله، وعرفك بركة كماله. أسهم الله لك في فضله، ووفقك لفرضه ونفله: لقاك الله فيه ما ترجوه، ورقاك إلى ما تحب فيما يتلوه. جعل الله ما أظلك من هذا الصوم مقروناً بأفضل القبول. مؤذناً بدرك البغية ونجح المأمول، ولا أخلاك من بر مرفوع، ودعاء مسموع. قابل الله بالقبول صيامك، وبعظيم المثوبة تهجدك وقيامك. عرفك الله من بركاته ما يربي على عدد الصائمين والقائمين، ووفقك لتحصيل أجر المتهجدين المجتهدين. أسأل الله أن يضاعف يمنه لك، ويجعله وسيلة مقبولة إلى مرضاته عنك. أعاد الله إلى مولاي أمثاله، وتقبل فيه أعماله، وأصلح في الدين والدنيا أحواله، وبلغه منها آماله. أسعده الله بهذا الشهر، ووفاه فيه أجزل المثوبة والأجر، ووفر حظه من كل ما يرتفع من دعاء الداعين، وينزل من ثواب العاملين، وتقبل مساعيه وزكاها، ورفع درجاته وأعلاها، وبلغه من الآمال منتهاها، وأظفره بأبعدها وأقصاها.
الأدعية في التهنئة بالعيد
عاودتك السعود، ما عاد عيد واخضر عود. عاد السرور إليك في هذا العيد، وجعله الله مبشراً بالجد السعيد، والخير العتيد، والعمر المديد، جعلك الله من كل ما دعي ويدعى له في الأعياد، آخذاً بأكمل الحظوظ والأعداد، أفطر وأكباد أعدائك تنفطر، والدنيا بعينيك تنظر وبالسعود تبشر. أسعد الله سيدي بهذا العيد سعادة توفر من الخير أقسامه، وتقصر على النعمى أيامه، وتحقق آماله، وتزكي أعماله. جعل الله أيامه تواريخ وأعيادا، وجعل له السعادات آماداً وأمدادا.
ما يختص منها بالأضحى
يا أكرم من أمسى وأضحى، سعدت بطلعة الأضحى. عرفك الله فيه من السعادات ما يربى على عدد من حج واعتمر، وسعى ونحر، وما يربي على عدد من حج، وعج وثج. أسعد الله مولاي بهذا العيد سعادة تجمع به حظوظ الدنيا والآخرة، ومصالح العاجلة والآجلة، وجعل أعاديه كأضاحيه، وأولياءه المسرورين المحبورين فيه، وقضى له بكفاية المهم، والحياطة من السوء الملم.
التهنئة بالنيروز وفصل الربيع
هذا اليوم من الأيام، كسيدنا في الأنام. هذا اليوم غرة في وجه الدهر، وتاج على مفرق العصر. أسعد الله مولاي بنيروزه الوارد عليه، وأعاده كيف شاء ما شاء إليه. أسعد الله سيدنا بالنيروز الطالع عليه ببركاته، وأيمن طائره في جميع أيامه ومتصرفاته، ولا زال يلبس الأيام فيبليها وهو جديد، ويقطع مسافة سعدها ونحسها وهو سعيد. أقبل النيروز إلى سيدنا ناشراً حلله التي استعارها من شيمته، ومبدياً حليه التي أخذها من سجيته، ومستصحباً من أنواره ما اكتساه عن محاسن أيامه، ومن أمطاره ما اقتبسه عن جوده وإنعامه، ومؤكد الوعد بطول بقائه حتى يملى العمر ويستغرق الدهر. سيدنا الربيع الذي لا يذبل شجره، ولا ينقطع ثمره، ولا يقلع غمامه، ولا تبتذل أيامه، فأسعده الله بداً من الإقرار لها. سيدنا الربيع الذي يتصل مطره، من حيث يؤمن ضرره، ويدوم زهره، من حيث يتعجل ثمره. فلا زال آمراً ناهياً، سامياً عالياً، تتهنأ الأعياد بمصادفة سلطانه، وتستفيد المحاسن من رياض إحسانه. أسعد الله سيدنا بهذا النيروز الحاضر، واليوم الجديد الناضر. سعادة تستمر له في جميع أيامه على العموم دون الخصوص، لتكون مشتبهات في اكتناف المواهب لها، واتصال المسار فيها، لا تفرق إلا بمقدار يزيد التالي، على الخالي، وتدرج الآتي، إلى الماضي.
التهنئة بالمهرجان

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فؤاد نور الاسلام
كبارالشخصيات

كبارالشخصيات
فؤاد نور الاسلام


ذكر
الدولة : الجزائر
تاريخ الميلاد : 01/01/1977
مبرمج
الجزائر
التقيم : 48
عدد المساهمات : 3242
نقاط : 363296946
تاريخ التسجيل : 15/10/2012

سحر البلاغة وسر البراعة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: سحر البلاغة وسر البراعة    سحر البلاغة وسر البراعة  I_icon_minitime06.03.13 20:31

.........................يتبع ...................


عرف الله سيدنا بركة هذا المهرجان، وأسعده فيه وفي كل أوان وزمان وأبقاه ما شاء في ظل الأماني والأمان. هذا اليوم من محاسن الدهور المشهورة، وفضائل الأزمنة المذكورة، فلقي الله سيدنا بوروده، وأجزل حظه من أقسام سعوده. هذا اليوم من غرره الدهور، ومواسم السرور، معظم في الأصل الفارسي، مستطرف بالملك العربي. فوفر الله فيه على مولاي السعادات، وعرفه في سائر أيامه البركات، على الساعات واللحظات.
إقامة رسم الهداية في النيروز والمهرجان وغيرهما من الأيام الغر
بمثل هذا اليوم الجديد، والأوان السعيد، سنة على مثلي فيها أن يهدي ويلاطف، وعلى مثل سيدنا ولا مثل له أن يقبل ويشرف. لليوم رسم إن أخل به الأولياء عد هفوة، وإن منع منه الرؤساء حسب جفوة، ومولاي يسوغني الدالة فيما اقترن بالرقعة، ويكسبني بذلك أتم التشرف والرفعة، الهدايا تكون من الرؤساء مكاثرة بالفضل، ومن النظراء مقارضة بالمثل، ومن الأولياء ملاطفة بالقل، وقد سلكت مع مولاي في إقامة رسم هذا اليوم سبيل أهل طبقتي من الأتباع، مع أهل طبقته من الأرباب. قد حملت إلى مولاي هدية الملاطف، لا هدية المحتفل، والنفس له والمال منه. العبيد تلاطف ولا تكاثر الموالي في هداياها، والموالي تقبل الميسور منها قبولاً محسوباً في عطاياها. أنا في المودة لمولاي كنفسه، وفي الطاعة كيده، وفي الاختصاص به كأحد أهله، وإنما ألطفه من فضله، وقد بعثت بما يستخدمه في سفره.
اهداء أهل الدفاتر وآلات الكتاب والآداب والعلوم
حضرة مولاي تجل أن يهدي إليها غير الكتب التي لا يترفع عنها كبير، ولا يمتنع منها خطير. قد أفكرت فيما أتقرب به مقيماً الرسم في جملة الخدم، حافظاً الاسم في غمار الحشم. فلم أجد إلا الرق سبق ملكه له، والمال الذي منحه وخوله، فعدلت إلى الأدب الذي تنفق سوقه بباب سيدنا ولا تكسد، وتهب ريحه في جنابه ولا تركد، وأنفذت كتاب كذا راجياً أن أشرق بقبوله، ويوقع إلي بحصوله. لما حظر على ذوي الاختصاص سيدنا إهداء ما جرت العادة بتسامي الأولياء إلى الاحتشاد في إهدائه، وجب العدول في إقامة رسم الخدمة إلى اتباع ما صدر عنه من الرخصة في ما تسهل كلفته، وتجل عند ذوي الأخطار قيمته، وتحلو ثمرته، وهو علم يقتنى، وأدب يجتنى آخر كتاب التهاني والتهادي وما ينخرط في سلكهما، ولله الحمد وبه الحول والقوة
كتاب التعازي وما يليق بها
وصف الخبر الهائل المزعج
خبر عز علي مسمعه، وأثر في القلب موقعه. خبر تستك له المسامع، وترتج له الأضالع. خبر تسقط منه الحبالى، وتصحو له السكارى. خبر ما تلتقي شفتاي بذكره، ولا يثبت بالي بخطره. خبر يهد الرواسي، ويفلق الحجر القاسي. خبر كادت له القلوب تطير، والعقول تطيش، والنفوس تطيح. خبر يخفض الناظر ويقذيه، ويقبض الأمل ويقدح فيه. خبر أحرج الصدر، وأحل البكاء وحرم الصبر، وأطار واقع السكون، وأثار كامن الوجوم، وثقلت وطأته على أجزاء النفس، وتأدت معرته إلى سواء القلب. خبر يشيب الوليد، ويذيب الحديد.
الكناية عن موت الرؤساء والأعزة
انقضت أيامه، استأثر الله به. انتقل إلى جوار ربه. انقلب إلى كرامة الله وعفوه. خانه عمره. لم تسمح النوائب بالتجافي عن مهجته. أجاب داعي ربه. نفذ قضاء الله فيه. لحق بالسبيل التي لا احتزار منها، ولا مجاز عنها. قبضه الله إليه. أسعده الله بجواره. دعاه الله فأجاب دعاءه، ولبى نداه. نقله الله إلى دار رضوانه، ومحل غفرانه. ناداه الله فلباه وفارق دنياه. قضت عليه المشيئة، فارتجعت تفي العطية، وخانته الأمنية، واستأثرت به المنية. كتبت له سعادة المحتضر، وانتهى به الأمر إلى الأجل المنتظر. علة ترامت به إلى انقضاء نحبه، ولقاء ربه. طرقه طارق المقدار، واختار الله له النقلة من دار البوار إلى دار القرار. تداولته العلل المتطاولة، وآلت به إلى ما كل نفس إليه آيله. أفضى من غضارة هذه الدنيا، إلى قرارة داره بالأخرى.
??ذكر النعي بالفقد
قد كان من الحق أن تنقبض الألسن عن هذا النعي لفادح وتخرس، وتقصر الأيدي عن التعزية بهذا الرزء الفادح وتيبس، يا سوء صباح أتى فيه الخبر فرأينا الرجاء قد انقطع، وأصم به الناعي وقد أسمع. نعي ورد فأكمد وفجع. ناعي الفضائل قائم، وأنف المحاسن راغم. نعي من لا أسميه إكباراً، ولا أكنيه إعظاما. فحقيق هو بأن تخرس نعاة فقده، وتحرم رسوم التعازي من بعده.
نعي الملوك والأجلة وذكر سوء آثار المصائب فيهم
أتى الناعي بانهداد الطود المنيع، وزوال الجبل الرفيع. قد نعته السماء صائحة، والأرض نائحة. كتبت والأرض راجفة، والشمس كاسفة، للرزء العظيم، والمصاب الجسيم، في فلك الملك، وركن المجد، وقريع الشرق والغرب. ما عسى أن يقال في الفلك الأعلى إذا انهار من جوانبه، وتهافت من مناكبه. أتى الناعي، وندبت المساعي، وقامت بواكي المجد، وكسفت شمس الفضل، وعاد النهار أسود، والعيش أنكد. غرب بموته نجم الفضل، وكسدت سوق الأدب، وقامت نوادب السماحة، ووقف فلك الكرم، ولطمت عليه المحاسن خدودها، وشقت عليه المناقب جيوبها. قد كانت الرزية بحيث مارت السماء مورا، وسارت الجبال سيرا، حتى شوهدت الكواكب ظهرا، ثم تهافتت شفعاً ووترا. قبضه الله فارتاعت الأمة، وانبسطت الظلمة، ووقفت الرحمة واضطربت الملة، وقامت نوادب المجد، وأصبح الناس من القيامة على وعد. إن المصاب به فت الأعضاد، وفتت الأكباد. إن المجد بعده لجاري الدمع، وإن الفضل لمزعج النفس، وإن الكرم لحرج الصدر، وإن الملك لواهي الظهر. كتابي وأنا من الحياة متذمم، وبالعيش متبرم. بعد ما هوى الطود الشامخ، وزال الجبل الباذخ، ونطقت نوادب المجد، وأقيمت مآتم الفضل. نعي فلان فتنكر وجه الدهر، وقبضت مهجة العز والفخر. فلا قلب إلا قد تبين صدعه، ولا عين إلا وهي ترشح بالدم.
ما يختص من ذلك بأبناء النبوة
قد نعي سليل من سلالة النبوة، وفرع من شجرة الرسالة، وعضو من أعضاء الرسول، وجزء من أجزاء الوصي والبتول، كتبت وليتني ما كتبت فإني ناعي الفضل من أقطاره، وداعي المجد إلى شق ثوبه وصداره، ومخبر بأن شمس الشرف كاسفة، وأرض الكرم راجفة، والمآثر مودعة، وبقايا النبوة مرتفعة، وآمال الإمامة منقطعة، والدين منخزل واجم، وللتقوى دمعان هام وساجم. كتابي وقد شلت يمين الدهر، وفقئت عين المجد، وقصر باع الفضل، وكسفت شمس المساعي، وخسفت قمر المعالي، وتجدد في بيت الرسالة رزء جدد المصائب، واستعاد النوائب، كل هذا لفقد من حط الكرم بربعه ثم أدرج في برده، وامتزج المجد فدفن بدفنه. إنها المصيبة عمت بيت الرسالة، وغضت طرف الإمامة، وتحيفت جانب الوحي المنزل، وأذكرت بموت النبي المرسل. كتبت تنعي مهجته والمجد يندب بهجته، ومهابط الوحي والرسالة تحني ظهورها أسفاً، ومعادن الوصية والإمامة تذري دموعها لهفاً، وذاك لأن حادث قضاء الله استأثر بفرع النبوة، وعنصر الدين والمروة.
ذكر البكاء
كتبت والأحشاء محترقة، والأجفان بمائها غرقة. الدمع واكف، والحزن عاكف. مصاب أطلق أسراب الدموع وفرقها، وأقلق أعشار القلوب وأحرقها. مصاب فض عقود الدموع، وشب النار بين الضلوع. مصاب أذاب الدموع الجامدة، وألهب الهموم الخامدة. تحلبت سحائب الدموع الغزار، وانسدت مسالك السكون والاستقرار. كنبت عن عين تدمع، وقلب يجزع. ونفس تهلع. قد أذلت حصون البرة، وحجبت وافد الحبرة. قد مد الهم إلى جسمي يد السقم، وجر الدمع على خدي ذيول الدم. لولا أن العين بالدمع والدم انطق من كل لسان وقلم، لأخبرت عن بعض ما أوهن ظهري، وأوهى ازري.
ذكر الاستراحة بالبكاء والجزع
إن الفجيعة إذا لم تحارب بجيش من البكاء، ولم يخفف من أثقالها بالنشيج والاشتكاء تضاعف داؤها، وزادت أعياؤها، وعز وأعوز دواؤها. قد شفيت غليلي بما استدررته من أسراب الدموع المتحيرة، وخففت عني بعض البرجاء بما امتريته من أخلاقها المتحدرة. إن في إسبال العبرة، وإطلاق الزفرة، والاجهاش بالبكاء والنشيج، وإعلان الصياح والضجيج تنفيساً من برحاء القلوب، وتخفيفاً من أثقال الكروب.
وصف عظم المصيبة وثقل وطأتها
أتى الدهر بما هد الأصلاب، وأطار الألباب من النازلة الهائلة، والفجيعة الفظيعة. يا لها من حادثة كارثة حسنت لي الغلو في الاعتمام، وأذكرتني بفقد الأعزة والأعمام. رزء أضعف العزائم القوية، وأبكى العيون البكية، مصيبة زلزلت الأرض، وهدمت الكرم المحض. مصيبة سلبت الأجفان كراها، والأبدان قواها. فجيعة لا يداوي كلمها آس، ولا يسد ثلمها تناس. مصيبة ألمت فآلمت، وثملت فكلمت، وتركت النفوس مولهة، والعقول مدلهة. رزء هض وهاض، وأطال الانخزال والانخفاض، ولم يرض بأن فض الأعضاء حتى أفاض الدماء. رزء ملأ الصدور ارتياعاً، وقسم الألباب شعاعا، وترك العقول مجروحة، والدموع مسفوحة، والقوى مهدودة، وطرق العزاء مسدودة، ورزء نكأ القلوب وجرحها، وأحر الأكباد وأقرحها. مصيبة أقرحت الأكباد، وأوهنت الأعضاد، وسودت وجوه المكارم والمعالي، وأعادت الأيام في صور الليالي.
ذكر الانخزال وكسوف البال والجزع والتوجع والاكتئاب لحادث المصاب
كتبت عن أجفان شرقة بالدموع، ونيران متقدة بين الأحشاء والضلوع، وبنان تود لو بانت قبل أن تخط بذكر نازل الخطة، ونفس أشاطت بها بلابل الهموم المشتطة. كتبت والنفس في شدة الانخزال والكمد، وفقد الاصطبار والجلد، على ما لا يستطاع ذكره، فكيف يتحمل ثقله. ما لي يد تخط إلا بكلفة، ولا نفس تتردد إلا على غصة، ولا عين تنظر إلا من وراء قذى، ولا صدر ينطوي إلا على أذى. الدموع واكفة، والقلوب واجفة، والهم وارد، والأنس شارد، والناس مأتمهم عليه واحد، أين مني كندة تأسف على حجر، أم الخنساء تبكي على صخر. كم عبرة وزفرة، وأنة وحسرة، وكم تململ واضطراب، وكم اشتعال والتهاب. مصيبة أصبحت لها وقيذ غمة، وأخيذ كربة، ما أم سبعة ركبوا الجياد، وشهروا السيوف الحداد نعوا إليها قتيلا بعد قتيل، وعرضوا عليها صريعاً بعد صريع، بأشد مني انخزالا وأضعف بالا، وأدق تقلقلا، وأكثر تململا. ملك الجزع صبري وعزائي، وجعل ناظري في إسار بكائي، فالقلب دهش، والبنان مرتعش، وأنا من البقاء مستوحش. كتبت عن قلق يزيد ولا يفتر، وجزع يتضاعف ولا يضعف. انتهى بن الهلع إلى حيث لا التأسي مصحب، ولا التناسي مصاحب. انزعاج يحل عقود الحزم، واكتئاب ينقض شروط العزم. قد بلغ الحزن مني مبلغاً لم أبتذله للنوائب وإن جلت وقعاً، وبلغ مني منالاً لم يؤمله طروق المصائب وإن عظمت فجعاً. كتبت عن اضطراب نفس، واضطرام صدر، والتهاب قلب، وانتهاب صبر.
التأبين والندبة
ما أعظمه مفقودا، وأكرمه ملحودا. إني لأنوح عليه بنوح المناقب، وأرثيه مع النجوم الثواقب، وابكيه مع المحاسن والمعالي، وأثني عليه بثناء المآثر والمساعي. ليت يمين الدهر شلت قبل أن فتكت بمهجة الفضل، وعين الزمان كفت قبل أن رأت مصرع الفخر. لقد رزئنا من فلان عالماً في شخص، وأمة في نفس. مضى والمحاسن تبكيه، ومناقب تعزي فيه، لما قرت به العيون، أسخنت فيه المنون، ولما انشرحت به الصدور، قبضها لفقده المقدور. على المحاسن من بعده العفاء، ولا أنبتت الأرض ولا جادت السماء. قد ركب الأعناق، بعد العتاق، وعلا أجياد، بعد الجياد، وفاح فتيت المسك من مآثره، كما كان يفوح من مجامره. كان منزلهم ألف الأضياف، ومأنس الأشراف، ومنتجع الركب. ومقصد الوفد. فاستبدل بالأنس وحشة، وبالنضارة عبرة، وبالضياء ظلمة، واعتاض من تزاحم المواكب تلادم المآتم، ومن ضجيج النداء والصهيل، عجيج البكاء والعويل. هذي المكارم تبكي شجوها لفقده، وتلبس حدادها من بعده، وهذه المحاسن قد قامت نوادبها مع نوادبه، واقترنت مصائبها بمصائبه. ما أقبح العيش من بعده، وما أنكر العمر مع بعده.
في أن الفدية لا تغني
لو قبلت في فلان الفدية لوقيته بنفسي، وأيام عمري. علما بأن العيش بمثله من إخوان الصفاء يصفو، وبظعنه عن الدنيا يكدر ويجفو. لو أمكن افتداؤه بأنفس الذخائر، وأعز الأملاك والممالك لكنا أحقاء بإرخاص كل علق نفيس، وبذل كل ملك كريم. لو وقي منه عزيز قوم لعزته، أو كبير أهل بيت بولده وأسرته، أو قوي سلطان باستطالته وقدرته، أو زعيم دولة بحشده وعدده لكان الماضي أولى من فدي، وأحق من وقي، وكنا أقدر الناس على دفع ما حدث وطرق، وذب ما كرث وأرهق، لكنه الأمر المسوى فيه بين من عز جانبه وذل، وكثر ماله وقل، حتى تأسى المفضول بالفاضل، والناقص بالكامل.
ما يقع من كتب التعازي من وصف الدهر
هو الدهر فلا تعجب من طوارقه، ولا تنكر هجوم بوائقه، عطاؤه في ضمان الارتجاع، وحباؤه في قران الانتزاع. الدهر ما عرفت، وعلى ما خبرت، فلا نكر إذا فجع بالذخائر، ولا غرو إذا استأثر بالأخاير. هو الدهر وعلاجه الصبر لا تهنأ فيه المواهب، حتى تتخللها المصائب، ولا تصفو فيه المشارب، حتى تكدرها الشوائب. من عرف الزمان، لم يستشعر منه الأمان، وتصور تصرف الحوادث بين الموروث والوارث. الدهر مشحون بطوارق الغير مشوب صفو أيامه بالكدر، مجروح صابه بالعسل، موصولة حبال الأمل فيه بأسباب الأجل، يفطم أمام تكامل الرضاع، ويفرق قبل الامتاع بحسن الاجتماع. هي الأيام ترتع العارية، وتتلقى بالمنية الأمنية.
ما يقع فيها من ذكر الدنيا وذمها
قد جعل الله الدنيا دار قلعة، ومحل نقلة. فمن راحل ليومه، ومن مدعو لغده، وكل مستوف لأجله، وجار لأمله. ما الدنيا إلا دار النقلة، وما المقام فيها إلا للرحلة. إن المرء حقيق إذا طرقه ما يتحيف صبره، ويتطرف صدره أن يعود إلى علمه بالدنيا، كيف نصبت على النقلة، وجنبت طول المهلة، وابتدئت للنفاد، وشفع كونها بالفساد، وإن الثاوي بها راحل، والأيام فيها مراحل. موهوب الدنيا مسلوب، وإن أرجئ إلى مهل، وممدودها محروب، وإن أخر إلى أجل. لو خلد من سبق لما وسعت الأرض من لحق، ولذلك جعلت الدار الأولى منزل قلعة، ومحل نجعة، ومجازاً إلى أخرى تزيد، ولا تبيد. خيرها عتيد، وعمرها تأبيد. نحن في الدنيا على وفاز، ومجاز وحذار وانتظار. الحازم من لم يفرح بمواهبها، ولم يتضاءل لنوائبها، ولم ير شياكلها كذا إلا كالخيال الملم، والفيء المنتقل، والعارية المرتجعة، والسحائب المتقشعة، ما تصنع بهذه الغدارة الغرارة? وهي ترتجع أعز ما تعطي، وتنتزع أحب ما تولي. قد تنكرت الدنيا حتى صار الموت أخف خطوبها، واصغر ذنوبها فلينظر المرء يمنة هل يرى إلا محنة? ثم ليعطف يسرة هل يرى إلا حسرة?
الأمر بالصبر والنهي عن الجزع
لو كان في الجزع فضل لما تقدمت فيه ذوات الحجول والحجال، على الفحول من الرجال. ما تضع والقضاء نازل، والموت حكم شامل، وإن لم نلذ بعصمة الصبر، فقد اعترضنا على مالك الأمر. اعلم أن الجزع للرب مسخطة، وللأجر محبطة. عليك عزيمة الصبر، وصريمة الجلد، فإنهما في العين حتم، وفي الرأي حزم، وليس في خلافهما للحي انتفاع، ولا للميت ارتجاع. اعلم أن المتوفي لا ترده نار تلهبها من الهم على كبدك، ولا يرجعه انزعاج تسلطه بالحزن على جسدك، وخير لك من ذلك أن تفعل ما يفعله الذاكرون، وتقول إنا لله وإنا إليه راجعون. أنت تعلم أن شوائب الدهر لا تدفع إلا بعزائم الصبر. اجعل بين هذه اللوعة الغالبة، والدمعة الساكبة، حاجباً من فضلك، وحاجزاً من عقلك، ومانعاً من يقينك. أنت أعرف بالدهر ومصارفه، والزمان ومخاوفه، من أن تدع التماسك وهو مرجع اللبيب ومثواه، وتتهالك في الجزع وهو منزع الجهول ومغزاه. أن المحن إذا لم تعالج بالصبر، كانت كالمنح إذا لم تعالج بالشكر. إذا رأيت أن تأتي في توخي الصبر، واحراز الأجر ما يوجبه الحجا، فإنه أحرى بك وأحجى، صبراً صبرا ففحول الرجال لا تستفزها الأيام بخطوبها، كما أن متون الجبال لا تهزها العواصف بهبوبها. المرء لا بد سال، ولو بعد أحوال وأحوال. فما عليك أن تعجل ما يغتنمه البررة، وتقدم ما يؤخره الفجرة?
ذكر الموت
إن الله قد سوى بين البرية، في ورود حوض المنية، وحملهم فيها على عدل الحكومة والقضية، لينظر كل أحد إلى نفسه، ويعلم أنه مستثمر ما أنبت من غرسه. ما حيلة الإنسان وقد خانه أمله، وجاءه أجله، فبينا هو في رجاء، فسيح الأرجاء، إذا به قد دعي فأجاب من دون تعريج على استعداد، ولا تنفيس لأخذ زاد. الموت مشرع لا بد مورود، وكل وإن طال المدى مفقود. ما دوام أمر آخره انقطاع، واتصال عطاء عاقبته انتزاع? معلوم أن الموت كل شارب بكأسه، ومكتس من لباسه، وإنما هو تقدم أيام، وتأخر أعوام. كل ذي نهاية يصير كأن قد قطعت مراحله، ولحق بعاجله آجله. الموت خطب عظم حتى هان، ومس خشن حتى لان، فطن أنه مؤخر لتمام، ومنسأ لأيام وأعوام، والمنون تطلبه حثاً وحضاً، حتى تدركه خبباً وركضاً. هذه سبيل، فيها تعجيل وتأجيل، وإلا فالدهر كله أمس، والنفوس في مصافحة المنية كنفس، لله ما أغوص الموت على حبات القلوب، وأعرفه بمودات الصدور، وأخلصه إلى مكامن الروح، وايقظه لناسي العيون، فإنا لله وإنا إليه راجعون. معلوم أن المورد فيه واحد، وسيان فيه ولد ووالد. هذه فرقة محتومة على كل شمل منتظم، ومكتوبة على كل حبل متصل وقديماً نعيت على الناس غربانها، وطارت في دورهم عقبانها.
في الرضاء بقضاء الله تعالى والتسليم لحكمه
ما الحيلة وقد حل القضاء، وفرض العزاء لقدر الله، ونزل البلاء الجسيم وكتب الرضاء والتسليم. لا تسخط لقدر الله وهو عدل، ولا تكره لقضاء الله وهو فضل. ليعلم أن حكم الله عدل كيف تصرفت الأقدار، ووقعت من كراهة واختيار. القضاء غالب، والزمان معط وسالب، ولا خيار على القدر، ولا إيثار على الغير. والله العدل، وحكمه الفصل، ومن عنده الفضل، قضاء الله ماض، وهو عدل قاض. يولي، ويبتلي، ويسلب، ويعطي، ويعير، ويرتجع، ويمتع، وينتزع. له الخلق، وفعله الحق. أمر الله لا يقابل إلا بالرضا، والصبر على ما قضى وأمضى.
في حمل قضاء الله على الاصلح لعباده
مولاي أولى من سلم، وقد علم من عدل الله ما علم، وأيقن أنه يحيى ما دامت الحياة أنفع وأروح، ويميت إذا كان الممات أصلح. لولا أن الموت طريق يسلكه البريء والسقيم، ومشرع يرده البر والأثيم، لما انشرح بالعزاء صدر، ولا صحب مع البلاء صبر غير أن سنة الله في عباده وأنبيائه وأوليائه. يبقيهم ما كان البقاء أعمر لمكانهم، ويتوفاهم ما كانت الوفاة أصلح لأديانهم. إنا لله وإنا إليه راجعون، علماً بأن مقاديره لا تجري إلا على موجبات الحكمة، وتدبيره لا يخلو من باطن المصلحة، أو ظاهر النعمة. في بقاء مولانا ما يوجب التسليم لما قضى الله وأمضاه، إذا كان يدبرنا بأصلح ما يختار ويؤثر، وأحكم ما يقدم وما يؤخر علماً منه تعالى بالعواقب، وإحاطة بالشاهد والغائب. أحق الناس عند حدوث النوائب، واعتراض الشوائب، بقصد التجلد، وترك التبلد، من علم أن أقضية الله جارية مع الصلاح، ماضية على الرشاد، يبقى ما كان البقاء للعبد أنظر، ويتوفى إذا كان الفناء في الحكم أوجب. معلوم أن الله يبقي ما كان البقاء أنجح، ويتوفى إذا كان الفناء أصلح، ولذلك قبض الأنبياء والمرسلون، وأنزل على المصطفى إنك ميت وإنهم ميتون.
ذكر الأعمار والآجال
إن أيام العمر وساعات الدهر كمراحل معدودة، إلى وجهة مقصودة. فلا بد مع سلوكها من انقضائها، وبلوغ الغاية عن انتهائها. للنفوس مواعيد تطلب آجالها، وللموت تغدو الوالدات سخالها. وما نحن إلا كالركب. فمن ذي منهل قصد يبلغه دانيا، ومن ذي منزل شحط يلحقه متراخيا. مولاي يعلم أن الأعمار مقدرة لآمادها، والآجال مؤخرة لميعادها. فلا استزادة ولا استنقاص، ولا فوات ولا مناص. الآجال آماد مضروبة، وأنفاس محسوبة ولذلك استأثر الله بوجوب البقاء، وآثر لخلقه صلة الوجود بالفناء. الآجال بيد الله، فإذا شاء مدها بحكمة وافية، وإذا شاء قصرها بلطيفة خافية.
في التسلية ببقاء الباقي عن الماضي
نعمة الله في فلان عظيمة. قد جبرت الكسر، وأوجبت الصبر، وأقامت الظهر، وألزمت الشكر، والحمد لله الذي أولى كما ابتلى، واعطى بإزاء ما اقتضى. لئن كانت المصيبة بمصرع فلان عظيمة، لقد سدها الله من سيدي بأفضل خلف، لأمجد سلف، وأنجب فرع، لأكرم أصل. في بقاء مولاي مسلاة للجازع، واسوة للفجائع. يا لها من حادثة كارثة، وفجيعة فظيعة. لولا أن الله سد ببقائك ثلمها، وداوى بالدفاع عن حوبائك كلمها. في بقاء مولاي ما يلزم تخطي الأحزان، إلى شكر الله للإحسان. اللهم لا كفران فقد أبقيت من فلان من ضممت به شمل الأمم، وجلوت به وجه الكرم. قد أعان الله على الرزية، بحسن البقية، وسهل سبيل التسلية، بعظم المزية، وجعل الموهوب، أفضل من المسلوب. في بقاء مولاي ما سد ثلم المرزية، وأغنى عن إطالة التعزية. إذا تحامت النوائب جانب مولاي وتوقته وبقته، وهبنا ما انتهكت، لما تركت، وتسلينا عما احتنكت، بما كفت عنه وأمسكت، والشمس تسليك عما حل بالقمر. ما مات من خلفك، ولا غاب عن أهله من استخلفك. إن تك أيدينا بالأمس أمسكت على القلوب خوف انصداعها وانزعاجها، لقد مسحت اليوم على الصدور عند انشراحها وانفراجها، ولئن سخنت عيون عند حدوث الحادثات، لقد قرت عيون عند انتصاب الوارث. تأملت في أثنا الرزية، جزيل العطية. ببقاء مولاي، فرأيت الموهوب، أكبر من المسلوب، والمبقي، أجل من المفني، فعطفت على البلوى بالصبر، وتلقيت النعمى بالشكر. من كان مثلك القائم من بعده، الساد ثلمة فقده، فهو في حكم الخالد، وإن أصبح فانيا والمقيم في أهله وإن أمسى بالعراء ثاويا. إن الزمان لا بد خائن، والمقدور لا محالة كائن، وإذا وقي الله أكرم النفوس، وحرس أجل محروس. فالرز وإن جل جلل، وما أتى الدهر، وإن كبر هدر. سيدي يعرف أحكام الليالي والأيام، وتصرفها بين الإعطاء والإخترام. فإذا تعدت أكرم الأنفس، وتجافت عن الأنفس، وجب تجاوز الصبر، إلى الحمد لله والشكر.
فيما يجمع بين التعزية والتهنئة
قد لزمنا رفع اليدين إلى الله: واحدة تستنزل الصبر، وأخرى تتحمل الشكر. الحمد لله الذي لما ارتجع أكرم العواري، بلغ أفضل الأماني، ولما امتحن بأعظم الأهوال، تطول بأشرف الابدال. ما اكتأبنا للمنعي إلينا، حتى اغتبطنا بالمستخلف علينا، ولا أجهش باكيا عند الرزية حتى استهل ضاحكاً للعطية. الفجيعة فظيعة وجيعة. كادت تذهل العقول، وتحبس الألسنة عن أن تقول، والأقلام عن أن تجول. إلا أن الله لطف فجعل سيدنا وارث الماضي كابراً عن كابر، وحافظاً بعده لغر الآثار والمآثر. فلم يحسر الظل حتى مده، ولا مكن الثلم حتى سده، ولا نقل الإحسان حتى رده، ولا أوهن العقل حتى شده. قد كان الرزء أعظم من أن يوصف هدا للاركان، وإفاضة للأحزان، في كل قطر ومكان. إلا أن الله بلطفه كشف الظلمة، واحيا الأمة، وأنزل الرحمة، وحسم النقمة بعود مولانا إلى سرير سلطانه، واستقراره في عالي مكانه. لئن كانت المصيبة أصابت سويداء القلب، فقد تدارك الله العالم بما أقر سواد العين. يا لها من رزيئة ناحت لها السماء على الأرض، وأفل معها قمر الملك والمجد، حتى تلافى الله الملك بمولانا فأعاد به الشمل جميعا، والعاصي مطيعا، فقر الأمر قراره، ولزم فلك التدبير مداره.
استظهار المشاركة والمساهمة
أنا قاسم مولاي الهموم والمسار، وأساهمه المكاره والمحاب. فلا يعرض له ما يشغل فكره إلا أزعج قلبي، كما لا يتفق عنده ما يشرح صدره إلا وفر أنسي. قد شاركت سيدي في المصيبة مشاركة من لا يتميز عنه في منحه ومحنه، وسروره وحزنه. كتابي وأنا لا أعلم أعزيك أم نفسي فليس المصاب عندك بأعظم منه عندي. أنا وإن كنت أقاسمك المسار، وأساهمك المضار، فإني لا أحاسب الأيام إذا تخطتك، ولا أناقش سهامها إذا أخطأتك. لئن فقدت من فلان أباً وعما. لقد أوفيت عليك أسفا، وعليه هما. أنا أقاسمك مصارف الأحوال ومجاريها، وعوائد الأيام وعواديها، فآخذ مما شرح صدرك بحظ المبتهج، ومما شغل قلبك بقسط المنزعج. قد تحملت لمشاركتك أثقالاً من الوحشة تنقص الصبر، وتنقض الظهر، وما أعزيك إلا والعزاء لي معجز، ولا أسليك إلا والسلو عندي معوز، لاشتراكنا في الأفراح والأحزان، وتعادل أقساطنا من الزيادة والنقصان.
عظات التعزية
لا مصيبة مع الإيمان، ولا معزي مع القرآن، وكفى بكتاب الله معزيا، وبعموم الموت مسليا. إن الذي يخفف ثقل النوائب، ويحدث السلو عند المصائب، تذكر حكم الله في سيد المرسلين، وخاتم النبيين محمد صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين. ليذكر مولاي فقد الرسول والوصي والبتول والحسنين من مسموم ومقتول، ثم ليحصن الأجر المسوق إليه وليحصله، ولينصب أدب الله إزاء قلبه وليمتثله. الخلود في الدنيا لا يؤمل والفناء لا يؤمن، ولا سخط على حكم الله ولا وحشة مع خلافته، والأنس بطاعته، فأدما استرد صابرا، واسمح بما استرجع مسلما. أنت تعرف من شروط الزمان وعاداته، وتخبر من شؤونه وتاراته وتملك معه حلمك، وتراجع له حزمك، متى أتت الليالي بما تعاقبت القرون على مثله، وأعيت الحيل دون دفعه. حمداً لإله بتفضل فيهب، ويسترد فيأجرن ويبقى الثواب، ويفنى الحزن. كل مصيبة وإن عظمت فصغيرة في جنب ثواب الله، ضئيلة بين نعم الله قبلها وبعدها.
الادعية للمتوفي
غفر الله ذنبهن وخفف حسابه، وجعل رحمته حسبه تغمده الله بغفرانه، ومهد له في أعلى جنانه. تغمده الله من عفوه بما يفوت آمال المؤملين، ويوجب له مرافقة الأنبياء والمرسلين. جعل الله فرطاته مغفورة وحسناته مشكورة. قدس الله ثراه، واكرم مأواه. أكرم الله مرجعه، ورحم مصرعه، وبرد مضجعه. رحمه الله رحمته للأبرار، وحط عنه ثقل الأوزار. نور الله برهانه، والبسه رضوانه، وفسح له جنانه. غفر الله له مغفرة تحف بالروح والسلام، وتفسح له في دار المقام. جعل الله ما نقله إليه، خيراً مما نقله عنه. قدس الله ضريحه، وبرد صفيحه، وأفاض الرحمة السابغة عليه، ولقنه الحجة البالغة بين يديه. سقى الله ضريحه ولقي كذا.
ما يختص منها بالملوك
والله يبوئه من جنات عدنه، ومقار أمنه أعلى منزلة رفع إليه عبداً مخلصاً هداه، ومؤمناً اجتباه وولياً مكن له في أرضه، فقام فيها بفرضه، وأصلحها بعدله، وغمر أهلها بفضله. نسأل الله أن يرحمه أتم رحمة وأوسعها، ويلقيه أفضل مغفرة وأفسحها، ويبوئه جنات النعيم التي أعدها لأمثاله دارا، ولأشكاله قرارا، ممن أحسن السيرة في عباده وبلاده، وانتهى إلى رضاه بوسعه واجتهاده.
ما يختص منها بالاشراف
اللهم صل على شجرة هذا الغصن من كرائم أغصانها، وخصائص أفنانها، صلاة ترفع الذخر، وتعلي القدر، وتمهد في جنة المأوى، والدرجات العلى. قدس الله تلك التربة الزكية، والأرض المرضية. إذ أودعت نفس الشرف والأشراف، وسر هاشم بن عبد مناف، وكيف استسقي لها الغمام، وبحر المكارم في بطنها، وغيث الأمحال في ضمنها، وثم القبر الذي لو كتم لنم عليه عرف الكرم، وريا حسن الشيم. نقله الله إلى خطة الغفران، وعرصة الرضوان، حيث الرسول، والوصي والبتول، والحسنان، وسائر شجر الجنان. صلوات الله عليهم ما طلع الفرقدان، وتعاقب الملوان. اقر الله عينه في عرصة الموقف المحذور، والصباح المشهود المشهود بلقاء جده، وخيرة الله من خلقه، وامينه على وحيه، وأداء حقه، ووفاه من حظوظ شفاعته، ما يزيده في علو الدرجات وسبوغ الكرامات، وشرف الوقوف على الحوض المورود، وعز النشور في اليوم الموعود. رضي الله عن شقيق الكرم والمجد وعقيد الشرف المحض، وسلالة الرسالة، وسليل الإمامة. وقدس روحه وقد قدس، والبسه الغفران وقد ألبس.
في الدعاء للعذى بالصبر والأجر
ربط الله على قلبك بالتماسك الذي يؤمن من التهالك في القلق، والتمالك الذي يدفع عوادي الحرق. أفرغ الله على سيدي تجلداً يضاهي اجتماع رأيه ولبه، وتصبراً يحفظ عليه ذخائر حلمه، حتى يمنحه في الثواب ما لم يحتسبه كما امتحنه من المصاب ما لم يرتقبه. ورث الله مولاي عمره، واحضر سلوانه وصبره، وشرح بالتسليم صدره. اعظم الله لسيدي من الذخر، وجزيل المثوبة والأجر، ولا يحبطه، ويوفر الثواب، ولا يسقطه. ثقل الله به ميزانك، كما ضاعف بفوته أحزانك. أحسن الله لك العزاء وأجمله، ولقاك من الصبر أكمله. جبر الله مصابك، وعظم ثوابك. أتاك الله صبراً يأسو كلوم المصاب، ويحل عقود الإكتئاب. كتب الله لك من جسيم الثواب، ما يصغر عنده عظيم المصاب. كتب الله لك من الأجر أفضل ما كتبه لمن سلم له أمره وحكمه، ولم يتسخط قدره وحتمه.
سائر الأدعية للمعزى
أطال الله مدتك، وجعل الشكر في النعمى مادتك، والصبر على البلوى عدتك. حرس الله مهجتك، وحرم على الحوادث أعزتك. وجعل ما عرض خاتمة الرزايا قبلك، وبلغك في دينك ودنياك أملك. ورث الله مولاي عمر من قدمه، وغفر لمن اختار له جواره فاستقدمه، جعل الله الأعمار صلة لعمره، وفقأ عنه عيون الصروف من دهره. وقاك الله في أعزتك ونفسك، وجعل مسرة غدك ماحية مساءة أمسك. لا أصبت إلا بمن الخيرة لك في البقاء بعده، وله في التقدم قبلك. مد الله في مدتك، وغض لواحظ الأيام عن عقوتك. لا نقص الله لك عدداً، ولا أثكلك ولدا، ولا أشمت بك أحدا.
ما يختص منها بالملوك
أبقى الله مولانا وارثاً للأعمار، مصرفاً للأقدار. وجعل ما عرض خاتمة ما يوزع له فكرا، أو يجرح له صدرا، وقدم العالم عنه، فدية له. رغبت إلى الله في إطالة بقائه، كاشفاً بدوام مدته الغمم، وساداً بنضارة دولته الثلم، والله يطيل بقاءه وارثاً للأعمار، مفسوحاً له في الامهال والإنظار. محصن الدولة عن النوائب اللاحقة، محمي العرصة عن المصائب الطارقة. أطال الله بقاءه، وارثاً للآجال، حائزا للأماني والآمال، ينسخ مدة الملوين، ويخلق جدة الجديدين، وعمره عمر النسرين، وأبقاه بقاء العصرين. عمره الله محوط النفس والساحة، مبشراً للخيرات المتاحة. مصرفاً عنان الملوين، مقلباً زمام الزمان بكلتا اليدين.
ما يختص منها بالاشراف
أحسن الله عزاء مولاي عن الشريف، وورثه عمره، كما ورثه فخره، وذخر الله له الأجر عليه، كما أعلى ذكره بالانتساب إليه، والله يجبر مصابه كما أكرم نصابه، ويقيه المحاذر، كما ورثه المفاخر، ويبارك له في إحسانه الجسيم، وفضله العميم، كما بارك على إبراهيم، وآل إبراهيم صلى الله عليه وعلى محمد وآله أجمعين.
مخاطبة العلماء والزهاد في التعزية
أحق الناس بالتسلي عند طروق المصائب، وأولاهم بالتسليم مع هجوم النوائب، من آتاه الله من العلم ذخيرة، وجعل على نفسه بصيرة، وهذه حال الشيخ في فقد فلان. ورثه الله عمره، وأبقاه ما شاء بعده. إذا كان الشيخ هو القدوة في العلم وما يقتضيه، والأسوة في الدين وما يجب فيه، لزم أن يتأدب في حالات الصبر والشكر بأدبه، ويؤخذ في تارات الأسى والأسى بمذهبه، فكيف لا بتعزيته عند حادث رزيئته، إلا إذا روينا له، بعض ما أخذناه عنه، وأعدنا إليه طائفة مما استفدنا منه. قد علم الشيخ أن من خلق للعرض العظيم، وعرض للثواب الجسيم. وطن نفسه على تحمل الحوادث، ومرن قلبه على تجرع النوائب، وكان تأسفه على ما يفقد من رياحين دنياه قليلا، وتصبره لما ينقل من موازين أجره جميلا.
ذكر موتهم وتأبينهم
قد فقدت عين الفضل منه قرة، وجبهة العلم منه غرة. للفجائع، اختلاف مواقع، وللمصائب، تباين مراتب، ومن أشدها لذعا، وأعظمها وقعا. فجيعة أحرجت صدور قوم مؤمنين، ومصيبة خصت العلم والدين كفقد فلان، فقد كان للإسلام جمالاً ممتدا، وللدين ركنا مشتدا، وللعلم شهاباً لا يخبو، وللأدب سهم لا ينبو. تمثلت كيف يضام العلى وتقام مآتم الحجى، وتبكي أعين الدين والتقوى. قد فجعنا بشيخ الفضل، وشهاب العلم، والناضح عن الدين ناظراً لعقباه، والصادع بالحق رافضاً لرقباه. قد أخل ليث العلم بغيله، ومضى شيخ الدين لسبيله. فاضت عليه عيون المحاريب في جنح الظلام، وبكته عيون المحاسن في وضح النهار. رحم الله فلاناً وهل خلقت الرحمة إلا لأمثاله الذين خافوا الله، فخافهم الناس من دون ملك قاهر، ولا سلطان غالب، ولكنها هيبة العلماء. في نفوس الدهماء. اللهم محص عن سيئاته. فطال ما انتصب في الذب عن دينك، والناس في اشتغال بمعاشهم، عن معادهم، وبعقدهم، عن اعتقادهم.
ذكر موت الأدباء والكتاب
نجم من نجوم العلم هوى، وغصن من أغصان الأدب ذوى. قد عادت لفراقه الآداب شعثا، ووجوه الفضل غبرا. شابت بعده لمم الأقلام، وجفت غرر الكلام. قامت نوادب الأدب، وتعطلت حوالي الكتب. قد نضب ماء الفضل، وركدت ريح العقل، وصدئ رونق التبيين والبيان، وانثلم حد القلم واللسان.
ذكر موت الأولاد الصغار والكبار
بلغني خبر مصابك بالريحانة التي اختار الله لك المثوبة عنها، على المتعة بها. لما قوي فيه الأمل، عاجله الأجل، فكسفته أيدي الأيام، هلالاً استسر قبل التمام. أطلت التلهف على ظل عاجلته الأيام أن يكون فناء زائلا، وأكثرت التأسف على هلال فاجأته الليالي أن يصير بدراً كاملا. يا لهفي على غصن هصر قبل أن يورق، وكوكب أفل قبل أن يشرق. هلال استسر قبل التمام، وثمرة اجتنتها يد الحمام. فجعله الله أجراً مذخورا، وثواباً موفورا. كيف يستقر على الأرض وفلذته في بطنها، ويراجع الأيام ومهجته في كفها. يا أسفي على غصن مهصور بالموت، معصور في الترب. قد كنت فيه قوي الأمل، لو لم تطاولني يد الأجل، ومستحكم الرجاء، لو لم تغالبني يمين القضاء. تصورت حالك وقد أخذت من قبلك ثمرته، ومن نفسك زهرتها، ومن ناظرك قوته، ومن كبدك فلذتها. عارية سرك الله بمدتها، وأثابك عند ارتجاعها. فأبشر بعاجل من صنعه وإخلافه، وآجل من مثوبته وجزائه. لئن حرم الأجر ببدك، لقد كفي الإثم بعقوقك، ولئن فجعت بفقده، لقد أمنت الفتنة به. الرزء ما كان أوجع، كان الأجر عليه أوسع، وأنت وإن احتجت إلى الأولاد، فحاجتك العظمى إلى حسن المعاد. أسأل الله أن يجعل لوعة مفارقته، أنفع لك من فتنة مقاربته، وحسرة الرزية فيه، أجدى عليك من حبرة الإمتاع به.
ما يختص من ذلك بأولاد الملوك
كتبت والأحزان مستولية على الخلق والزمان، والأرواح متبرمة بالأجسام والأبدان. منذ أفل النجم الزاهر في أفق الملك وذوي الغصن الناضر من دوحة المجد، خوى نجم طلع في أفق الملك. وهوى بيد القضاء، عند انتهاء العمر، فاستوحش ربع مولانا بفقده، وذوى عود النجابة من بعده. على حين قويت فيه الظنون، وقرت به العيون. عرفت نادرة الزمان، في قرة عين الدهر، وثمرة فؤاد الملك، وقد خانت فيه يد الدهر واختطفته من حمى الملك وإنما نقله الله إلى جوار كرامته مثوبة بمولانا مقدمة، واعد له معوضة مسومة. وجعله فرطاً صالحا، ومتجراً رابحا. قد خبا ذلك الشهاب المضيء، وخوى ذلك الكوكب الدريء، فأغبرت وجوه النجابة، واستوحشت معاهد الإمارة.
ذكر احتضار الشبان
يا أسفي على فلان، وقد احتضر شبابه، ولم تغن عنه طراوته في العيون، وحلاوته في القلوب. قد احتضر فلان أنضر ما كان غصنا، واكمل ما كان حسنا، ما أتذكر إقبال شبابه مع اكتهال فضله، وجدة أيامه مع وفور عقله، إلا رأيت التعزي مستقبحا، والتسلي مستهجنا. يا لهفي على شباب مقتبل احتضر، وفضل مكتهل فقد، وجانب من المجد اختل وانتشر، ونجم من فلك الفخر هوى وغرب. قد اخترم عنفوان شبابه اختراما، نبهنا من سنة الاغترار وهدانا لوجه الاعتبار. انتقل إلى جوار ربه نقي الصحيفة من سواد الذنوب، بري الساحة من درن العيوب. لم تطل في الدنيا مدته، ولا اسودت في جرائدها صحيفته، ولا علقت به أجرامها، ولا جذبته أشطانها، لكنه وردها نجيباً رشيدا، وانصرف عنها مهدياً سعيداً. قد صانه الاحتضار، عن ملابسة الأوزار، وحاطه الاخترام، عن مقارفة الآثام. لو كان هذا الحمام يبدأ بإدارة كأسه في الأسلاف، ويتجافى عن الأخلاف، لخفت أعباؤه، بل طاب لقاؤه، ولكنه يدنو فينا ويبعد، ويهتصر منا ويحتطب.
في التعزية عن الأب
قد أصبت من أبيك بمن لا لوم إذا بكيت عليه ملء الشؤون، ووجعت له مدى الظنون كذا. فالأب سماء مظلة، وارض مقلة، وأصل أنت فرعه، وشجر أنت غصنه، ولكن أدب الله أحرى بالاستعمال، من بواعث الرقة والانخزال. لو خير أبوك لاختار ما اختار له تقدماً بين يديك، وتعويضاً للبقاء إليك. إذ كنت مع عقلك وبصيرتك أبا، ولأهلك وعشيرتك نسبا. سد الله بك مكانه. وورثك عمره وفضله، وعوضك الأجر عنه، وأيدك بالعصمة بعده. بقي أن نجعل هذه النوائب عبراً تبصرنا العواقب، ونقول ما حال شجر أوهنت أصوله، ثم أخذت غصونه، وننظر في أصل البقاء، بعد فناء الآباء والأبناء، فنأتي ما فيه حصول النجاة، تخليصاً لهذه الأنفس من التبعات.
في التعازي عن الحرم
نبهت بموعظة، ورزقت ثواباً، وسترت عورة، وكفيت مؤونة. فعظم الله أجرك فيمن أمضى، وأخلف عليك الإمتاع بما أبقى. لا ستر أستر من أرض، ولا ختن أكرم من جنن. بهذا أتى الشرع، وعليه أجمع العقل والسمع. ستر العورات، من الحسنات، ودفن البنات، من المكرمات، وتقديم الحرم، من النعم، وقد قاسمتك الفجائع، فأعطتك أوفر الحظين، وساهمتك النوائب فوقتك أجزل القسطين، ورضي الحمام بأن يتخطى نجباء ولدك، وإن انتقص الإناث من عددك، فالشكر أوجب عليك، من الصبر أن تدعى إليه. إن كان الله قد سلب لمولاي ريحانة وروضة، فقد وعده في كتابه بشارة وصلاة ورحمة وهداية. قد كفيت مؤونة، وصنعت حرمة، وسترت عورة، وقدمت إلى الجنة بضعة، وبعثت على مقدمتك إلى الآخرة شفيعاً ووسيلة، ورجعت إلى شبابك مرحلة. فليس بشيخ من لا بنت له، ولو كان ابن مائة سنة، وليس بشاب من وراءه بنت ولو كان ابن يوم وليلة. طوبى لمن صاهره القبر وخطب إليه الدهر.
كتاب الإخوانيات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سحر البلاغة وسر البراعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ددروس في البلاغة للسنة الرابعة متوسط روس في البلاغة للسنة الرابعة متوسط

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى متوسطة الشهيد بوربيعة الحملاوي التعليمية  :: منتدي اللغة العربية-
انتقل الى: